أحمد عبدالعزيز من موسكو: ما الذي يمكن أن يتجلى عنه المزج بين التشكيل المصري القديم وفن الأيقونة الروسي؟ هل يمكن أن تسطع شمس أفريقيا الدافئة بين ثلوج روسيا البيضاء الناعمة التي تثير الدفء ببرودتها؟ أم يمكن أن نسمع موسيقى الشمس بين خطوط الثلج الغامضة؟ الفنانة التشكيلية هالة عبدالفتاح تجمع بين الثقافة المصرية القديمة بحكمتها وسحرها وأسرارها وغموضها وبين الثقافة الروسية برقتها وعذوبتها وعنفوانها. ولعل الجمع بين الطبائع
المتناقضة في أطر فنية هو الشئ الوحيد الذي يشيع الهارمونية والتجانس بين المتناقضات. ولا شك أن هالة عبدالفتاح متأثرة بدرجة أو بأخرى بالتشكيل الأيقوني الروسي، ولكنها استطاعت بحرفية عالية أن تمزج ذلك برمزيات الفن المصري القديم وتقدم حالة فنية فريدة ومختلفة تماما عن السائد في التعامل مع الأشكال القديمة.
ولدت هالة عبدالفتاح عام 1970 أنهت مدرسة الفنون التشكيلية عام 1988، ثم معهد موسكو للفنون التشكيلية "معهد سوريكوف" عام 1994. وبعد ذلك حصلت على ماجستير علم النفس من جامعة موسكو الحكومية عام 1997.& لا شك أنه من الممكن العثور على تأثير والدها المصور في لوحاتها من حيث الإضـاءة والتكوينات. ومع ذلك لا يمكن أن تخطئ العين لمسات هالة عبدالفتاح المميزة.
تقول هالة أنها كانت تتمنى أن تكون راقصة باليه. ولكن والدتها مصممة الباليه والملابس أدركت مبكرا أن مجموعة المؤهلات اللازمة لراقصة الباليه لم تكن متوافرة في هالة بالشكل الذي يمكنه أن يجعل منها نجمة. ولعل والدتها نادية عبدالملك رأت أن إيقاع الفنان التشكيلي ورؤاه هي التي تتجلى في روح هالة الصغيرة.
&
في لوحاتها الأولى كان الناس جميعا يرقصون الباليه: النساء والرجال والبيوت والطيور.

تقول هالة: أنا نفسي كنتُ أرقص الباليه في لوحاتي. ولكن بمجرد إدراكي لماهية الفن التشكيلي أقلعتُ على الفور عن النمطية التي كان من الممكن أن تؤثر على مستقبلي الفني نتيجة لحلم لم يتحقق والحمد لله. من هنا بدأتُ أبحث عن موضوعات أخرى. في فترة الدراسة كانوا يرغموننا على دراسة سوريكوف وسيروف وشيشكين والفن التشكيلي الكلاسيكي من إيطالي إلى هولندى وغيره. كان هذا الأمر ضروريا من أجل تكوين القاعدة اللازمة للطالب. ولكن الفنان الموجود
داخل هذا الطالب يرى أشياء أخرى من زوايا مختلفة تماما مع ما يدرسه، ويطمح في ذات الوقت إلى تحقيق العديد من المعادلات الصعبة التي يمكن أن تتعارض مع السائد. وعموما، فالنزعات التشكيلية الكلاسيكية لم تعجبني كثيرا نظرا للقوانين والحدود والممنوعات الكثيرة المرتبطة بالإضاءة والتكوين وعلم التشريح.

-إذن فما هي على الأقل النزعة الفنية التي تشغلك؟
-الفنان الباحث يطرق جميع الأبواب بداية من فنون مصر وروما القديمة، ويحاور كل الفنانين بداية من المثَّال القديم الذي لا نعرف اسمه إلى فان جوخ وبيكاسو وسلفادور دالي ومحمود مختار. ومن الضروري أن يؤدى بك البحث الجاد إلى طريق. وأخيرا وصلتُ إلى البورتريه لدرجة تمكنني من فهم الإنسان من ملامح وجهه. ولعل هذا الأمر هو الذي دفعني لدراسة علم النفس بعد تخرجي من معهد سوريكوف للفنون التشيكيلية. وبعد حصولي على الماجستير في علم نفس الفن (كان موضوع رسالتى: رد فعل المشاهد على اللوحة الفنية) بدأت خطوة أخرى وهى البحث عن لغتي الفنية. في تلك الفترة أدركتُ إنني وضعتُ قدمي على طريق النضوج الفني. واكتشفت أن البورتريه والزخرفة هما الطريق.

-البورتريه والزخرفة؟
-نعم. فعلى الرغم من التناقض بين البورتريه المجسَّم والفن الزخرفي المسطح، استطعتُ بشكل أو بآخر أن أمزج بينهما. المفاهيم الكلاسيكية تفترض عدم التقاء ما لا يجب أن يلتقي. وتفترض أيضا أن ذلك غير صحيح. ولكنني استطعتُ بذلك تكوين شخصيتي الفنية والعثور على لغتي.
- لنتحدث بتفاصيل أكثر..
-لا تنس إنني مصرية. وهو الأمر الذي لم يتيسر للكثيرين من حولي أثناء دراستي فـي موسكو. الأمر الثاني هو إنني درستُ في المدرسة الروسية القوية التي تمتلك تقاليدها الراسخة وسماتها المميزة. من هنا اجتمعت ثلاثة عناصر: كوني مصرية، ودرستُ بالمدرسة الروسية، والفكرة حول المزج بين المجسم والمسطح. بدأتُ بتناول الموضوعات الفرعونية من نظرة معاصرة. أي بث الحياة في الأشكال التي تبدو جامدة.
-
- أنا لا أعيد تكرار الأشكال الفنية المصرية القديمة. ولكن هناك عناصر لا أستطيع التخلي عنها حتى وإن تعاملتُ مع التكعيبية أو السريالية أو التعبيرية. هذه العناصر لا تدخل في تكويناتي الفنية بشكل سياحي أو فلكلوري، وإنما هي جزء من تكويني كفنانة. وبالتالي يجب أن تنعكس شئنا أم أبينا في لوحاتي. ليس هناك شئ يرغمني على تكرار أي فن أو أي فنان. وليس هناك ما يمنعني من أن أكون أنا "نفسى". إنني حتى عندما أتعامل مع التكوينات الأفريقية أجد إنني قد مزجتها بعناصر مصرية قديمة. &

-
- لا أستطيع أن أطلق اسما أو مصطلحا على نزعتي الفنية. هذه القضية لا تخص الفنان بقدر ما تخص الحركة النقدية والفنية بشكل عام. وبالتالي فهي لا تشغلني. إنني أعتمد بالدرجة الأولى على أحاسيسي الداخلية، وعلى قراءاتي ودراستي، وبحثي المتواصل.
-
- رد فعل الناس أفضل بكثير من رد فعل المتخصصين والأكاديميين. المتخصصون يبدأون من وجهات نظر محددة سلفا، ويحاولون العثور على ما في رؤوسهم هم، وعما يعرفونه مسبقا. ومع ذلك فهم يخشون التورط في النقد اللاذع والمطلق.. فمن الممكن أن يتجلى هذا الفن عن شئ آخر جديد!! أو ربما يصبح هذا المشروع طليعيا أو تجديديا!!
الناس العاديون يعثرون على أشياء كثيرة وجديدة أكثر من المتخصصين. بل ويكتشفونهـا بسرعة، ويضعون أيديهم على مناطق تهم الفنان. بل ويصل الأمر أحيانا إلى توصلهم إلى عناصر خفية تماما فيفلسفونها على طريقتهم. وهذا هو ما يهمني. ولعل ذلك الأمر جعلني أعتمد الجمال والفلسفة والهارمونية وسيلة للتعامل مع المشاهد البسيط لأنني أدرك جيدا أنه يستجيب لذلك ويدفع الفنان إلى هذا الطريق. الإنسان البسيط هو هدفي الأساسي.
-
- ما زلتُ أخشى عرض لوحاتي في مصر أو الدول العربية، لأنه من الممكن أن يعتبرها البعض خليعة أو عارية،& وربما يفسرها البعض الآخر بصورة لا تتفق مع رسالة الفن بشكل عام. ومع ذلك فعندما عرضتُ بعض اللوحات بالمركز الثقافي الروسي بالقاهرة-وكنتُ خائفة جدا-لاحظتُ إقبال الناس وتعاملهم بشكل راق للغاية معها. من هنا أدركتُ أن الجمال والهارمونية هما أحد المداخل الإنسانية لإنسان الشارع البسيط.
وعموما، فأنا لا أصدق إلى الآن أي فنان يدَّعى أنه يفعل ذلك لنفسه. أي ببساطة ليس هناك ما يسمى بالفن للفن. ذلك مجرد أكذوبة لا أدرى من اخترعها وصدَّقها البعض من أجل الإفلات من بعض المسؤوليات الملقاة على عاتق الفنان أيا كان. فحتى عندما يبحث الفنان عن لغة جديدة، فهو لا يفعل ذلك من أجل نفسه فقط. الأمر هنا يتكون من شقين أساسيين متجادلين. الأول عملية البحث الداخلي والذاتي من أجل تطور الفنان كشخصية فردية. والثاني هو علاقته بالناس وخطابه الفني ورسالته الفنية. وأنا لا أريد هنا أن أحمل الأمور أكثر مما تحتمل حتى لا يتصور البعض أن المسألة أيديولوجية صرفة. ولكن الأمر فعلا في غاية الجدية ويحتمل الفني والأيديولوجي من دون فصل أو غوغائية.
مرة أخرى أريد أن أعود إلى موضوع الناس واستقبالهم للفن التشكيلي حتى وإن كانت بعض اللوحات عارية أو خليعة كما يقولون. فبعد أن كنتُ خائفة من الناس، أدركتُ مدى خطأي الشديد، لأن الناس يحسون الجمال ويفهمون الفن، وهذا ما رأيته بعيني. ولكن مع الأسف هناك شئ ما يخيفهم، يجعلهم متحفظين في إبداء مشاعرهم وأحاسيسهم وأفكارهم، وهذا هو جوهر المشكلة التي نعانى منها، ويعانى منها إنساننا البسيط. القضية ببساطة ليست
في أن الناس لا يفهمون، ولكنها في الخوف الذي ينقلب في كثير من الأحيان إلى صور مرضية تتطور إلى الرفض أو الهجوم بحجج كثيرة.
-في النهاية، أريد التحدث معك عن جولاتك في الخارج-خارج روسيا وليس خارج مصر! ما هي ردود أفعال الجمهور؟ وهل وجهات نظرك في مسألة النزعات الفنية سببت مشاكل ما؟
-النزعات الفنية أمر ضروري لا أستطيع نفيه. فهي ضرورية في تطور الفن التشكيلي ذاته، لأنها تصنع حدود لفن مراوغ ستتكسر فيما بعد لتظهر نزعات أخرى وهكذا. ومع ذلك لا يجب أن أتقيد بنزعة معينة، أو أحاصر نفسي بقيود تعوقني، أو ألجأ إلى اتجاه معين ليس له أسس موضوعية في مجتمعي. من هنا تحديدا أحاول ترسيخ العناصر التجديدية في أعمالي، والتي تحتمل (فنيا وفكريا) عملية المزج بين المدارس والاتجاهات على أسس علمية ومعرفية. وبالتالي لا يهمني كثيرا أن تلقى أعمالي إعجابا أو ترحيبا من متخصص أو حتى متفرج فرنسي أو إيطالي أو روسي، لأن الفرنسي والإيطالي والروسي وغيرهم يفهم تماما اللغة الفنية التي تتسق مع لغته المرتبطة بالمدارس الفنية التي نشأت في بلاده. وحتى لا نقسو على المتفرج الغربي أو الأجنبي بشكل عام، فالفن ليس له حدود، وهناك مفاهيم عامة ومشتركة. ولكن عندما تقترب الأمور من النزعات والاتجاهات يمارس الشخص الأوروبي عنصرية غريبة تجاه الآخر. أنا أدرك سبب ذلك، وهذا لا يقلقني كثيرا. فهو عندما يرى أعمالي أو أعمــال غيرى-تلك الأعمال التي تطرح العالم برؤية مغايرة لما اعتاده، تبدأ الاتهامات بالخلط والجهل والتخلف. المسألة هنا ليست في الفن وليست في الآخر، وإنما هي في ذلك المخلوق المسكين الذي قولبته ثقافته وجعلته ينظر إلى الآخر وإنتاجه من زاوية ضيقة وسطحية، وأحيانا مستهترة.
هالة عبدالفتاح:
- 1988، أنهت دراستها الفنية التخصصية.
- 1994، حصلت على دبلوم الفنون بتقدير ممتاز من أكاديمية الفنون الروسية.
- 1997، حصلت على الماجستير في علم النفس من جامعة موسكو الحكومية.
- 1985- 1987، مجموعة معارض بسفارة مصر في موسكو.
- 1989، معرض بدار الصداقة المصرية السوفيتية-موسكو.
- 1991، معرض ضمن فعاليات معرض مصر للمنتجات-موسكو.
- 1992، معرض بقصر المؤتمرات-القاهرة.
- 1995، معرض بأكاديمية كرنكس-النرويج.
- 1998، معرض بدار كبار الفنانين-موسكو.
- 1999، معرض بدار كبار الفنانين-موسكو.
- 1999، معرض بفندق راديسون سلافيانسكايا-موسكو.
- 1999، معرض بفندق متروبول-موسكو.
- 2000، معرض بالبيت المركزي للفنانين التشكيليين الروس-موسكو.
&