"ايلاف"&بيروت: بعد أكثر من ثمانية أشهر على سقوط بغداد واستمرار الحديث الأميركي، عبر وسائل الإعلام، عن استمرار تقصي المعلومات حول مكان تواجد الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، أتى الخبر اليوم عن نجاح القوات الأميركية في تحقيق مبتغاها. صور صدام تمر على الشاشة بوجه لم يسبق له أن أظهر شعيرات قليلة على الذقن، يرضخ بكل تعاون لفحص طبي من قبل "الأعداء" والكاميرا تصوره. الخبر من المفترض أن يشكل مادة دسمة لوسائل الإعلام، خصوصاً المرئية منها، كونها تتمتع بخاصية الفورية، وبشكل أخص القنوات العربية المطالبة بشكل عفوي أن تتكفل بتغطية هذا الحدث الذي يعيد إلى الأذهان صورة التاسع من نيسان وما أعقبه من ردود فعل شعبية عربية تفاوتت وقعات صدمتها بين الدهشة الرافضة لتصديق الانهيار السريع، وبين التهليل أملاً في تغيير مسار سياسة منطقة أنهكتها الويلات، إضافة إلى التغطيات الإخبارية العربية لها، التي أتت مختلفة هي الأخرى في إظهار الوجهة التي انتحتها للتعاطي مع الخبر.
كيف تناولت القنوات العربية خبر الاعتقال إذن، وبأي شكل من الأشكال؟. الدهشة لا بد وأن تصيب من يراقب تلك التلفزيونات. الخبر يمرعلى أسفل الشاشة مرور الكرام في أغلبها، فيما خصصت قنوات، لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، يومها للتعامل مع قضية شغلت الرأي العام العالمي.
"الجزيرة" و"العربية" هما من يمكن إدراجهما على قائمة المتناولين للخبر أولاً بأول مع تغطية واسعة لاستطلاع الآراء كافة، العراقية المعارضة والموالية للنظامين القديم والجديد من الداخل والخارج، العربية المتفاوتة بين رافضة للحرب الأخيرة ومؤيدة لها، والخارجية المراقبة والمحللة. تليهما في ذلك قناة "العالم" الإيرانية الناطقة باللغة العربية. في الوقت الذي أثارت تغطية "ال بي سي - الحياة" تساؤلات كثيرة حول المعنى الحقيقي للتعاون القائم بين مؤسستين إعلاميتين على تدعيم المواكبة الإخبارية، وبالتالي ظهرت كبقية القنوات العربية التي اكتفت بالبث المباشر للمؤتمرات الصحافية الثلاث التي عقدت على التوالي من قبل الحاكم المدني الأميركي للعراق ومن معه أولاً، ومن بعده قائد فرق المشاة الأميركية التي ألقت القبض على صدام حسين، وأخيراً الخطاب المقتضب للرئيس الأميركي جورج بوش، لتضيفها إلى نشراتها الاخبارية المتلاحقة.
وبغض النظر عن المواكبة المستمرة لـ"الجزيرة" و"العربية"، وتقديم خبر الاعتقال على باقي الأخبار في القنوات الأخرى، فإن الأمر اللافت هو الحيادية التي اعتمدها الجميع في طرقة النقل، إذ اختلف الأمر عما ظهر عليه قبل ثمانية أشهر حين سقطت العاصمة العراقية بغداد، وانهار النظام العراقي. فما ظهر سابقاً، تفاوت الرؤية الإخبارية للموضوع وتفاوتت بين الطريقة التي تناولتها كل واحدة منها على حدى، في حين أتت تغطية اليوم ناقلة للخبر بكامل تعليقاته من دون زيادة أو نقصان. وكعادتها، قامت "الجزيرة" بتسخير شعارها "الرأي والرأي الآخر" للوقوف على آراء جميع الأطراف التي يمكن أن تخدم الموضوع ولكن من دون أن تتبنى رأياً يمكن أن يسجّل عليها، الأمر الذي لجأت إليه "العربية" أيضاً وجهدت في أن تنافس قرينتها فيه.
وفي العودة إلى إحجام باقي الفضائيات عن تناول الموضوع كحدث يستحق المتابعة لحظة تلو الأخرى، لا بد من التوقف عند بعض الفضائيات التابعة لدول عربية يمكن وصفها بالـ"العظمى" وربط التطورات الأخيرة على الصعيد الاقليمي تبريراً لفعلتها. فالفضائية السورية مثلاً استمرت ببثها المعتاد من دون أن تقطع برامجها حتى عند المؤتمرات الصحافية، وهو الأمر الذي يمكن ربطه بالضغوطات التي تتعرض لها سوريا من قبل الادارة الأميركية، وآخرها إمضاء الرئيس الأميركي على قانون محاسبتها. كما أن الموقف المصري تجاه القضايا العربية الأخيرة، والذي أثار عاصفة من التساؤلات حول السياسة المصرية المعتمدة مؤخراً في الوقوف على الحياد، يمكن أن يعطي جواباً للتغطية الأقل من عادية لحدث اليوم. هذا كله بغض النظر عن التعاطي الكويتي للموضوع، إذ لم يختلف عن سابقه أيام الحرب الأخيرة وأتى بما يمكن وصفه "تهليلاً".