هلا مراد
&
&
&
لا يختلف اثنان حول الأسلوب الذي قتل فيه نجلا الرئيس عدي وقصي حيث تأكد للجميع ممن يحبون أو لا يحبون عهد الجور المتمثل بحكم العائلة الأعنف في عهد العراق أنه أسلوب مبني على الوشاية وهو رخيص لا محالة.
المبلغ فاق حدود العقل فهو مغر درجة أنه دفع بالواشي لتعريض منزله للتدمير، خمسة عشر ألف مليون دولار أمريكي عن رأس كل منهما، ثلاثون مليون دولار أمريكي دفعة واحدة لشخص واحد ربما فر هاربا مباشرة خارج بغداد وخارج العراق بل خارج الوطن العربي بأسره وإن لم يفعل أو لم يتمكن بعد من الفرار فلا بد أن رصاصة بقيمة دولار واحد ستنهي حياته.
الفكرة بحد ذاتها هزلية وربما هزيلة لأن الواشي لا بد وأنه على درجة من الذكاء اذ يجدر به أن يكون فر هاربا مع ثروته الجديدة قبل تنفيذ العملية التي تم فيها تصفية المطلوبين ورقمهما (2) و (3) في اللائحة العراقية للمطلوبين، بعد مقتل عدي وقصي كنا نتساءل عن مصير المطلوب رقم واحد والذي كان البحث عنه جاريا بجهود عظيمة؟ وكنا نقول ماذا لو أن واشيا آخر بدأت تروق له وتغريه المكافأة المدفوعة مقابل تسليمه للسلطات الأمريكية الكريمة والسخية؟ ترى هل يفكر أن مكافأته ستفوق الثلاثين مليون دولار ربما بضعفها أو أكثر؟
الأسلوب مغر حقا لكنه خطير جدا فرصاصة واحدة بقيمة دولار واحد ربما ستكون ثمن الوشاية لتنهي الحكاية فهل سيتم العثور على الواشي أو الوشاة خاصة بعدما ظهر لنا عبر شاشات التلفزة أن المطلوب رقم واحد الأخطر في الحقبة المعاصرة صار الأضعف على الإطلاق وأن مشهده يرجعنا الى صور الانسان الأول، رجل الكهوف الذي شهدناه في كتب التاريخ.
نعم صدام حسين أحد أهم الرؤساء جبرا وقهرا صار مثار شفقة حتى من بعض أعدائه على كثرتهم ممن انتظروا طويلا ليلة القبض على الطاغية، ولربما كان سيروي ظمأ تشفيهم مشهده في بزته الزيتونية، في قسوة وجهه، في جلجلة صوته، كانوا حينها سيسعدون لأن شوكته انكسرت، لكن ما رأيناه كان صدمة حتى لهؤلاء الأعداء الذين أدهشتهم صورة الطاغية وقد تحولت الى كهل ضعيف مكسور، الى عجوز مستسلم لنهاية الضعفاء.
منذ أسابيع قليلة كان لا يزال الرئيس العراقي السابق، الهارب،المقاوم والمتفائل يسجل أشرطته الصوتية محذرا ومتوعدا ومتفائلا حتى بعد مقتل ابنيه؟
فهل من المعقول أن يكون اللمقاوم الذي سرب آخر تسجيل صوتي له والذي أغضب السيد رامسفيلد هو نفسه المستكين الذي يحاولون إقناعنا بأنهم وجدوه في قبو في زنزانو انفرادية ارتضاها لنفسه؟
الواقع، ولكي نخفف من أثر الدهشة على أنفسنا لا بد من التكهن بأنه صدام فعلا ولكنه صدام المخدر، صدام المنوم تنويما أمريكا.
في كل لحظة يتساءل الطاغية حين يسقط وحين تهجر حريمه وحين يقتل أبناؤه، يتساءل عن ساعة صفر لا بد أنها آتية، وقد أتت بالفعل لتجره من قبو ربما لم يكن فيه إلا قبل الاعتقال بساعة واحدة، وربما تكون أيادي أمريكا هي التي وضعته هناك، لاصطناع مشهد سينمائي هوليودي، لأن اعتقال هكذا شخصية بهذه الطريقة صعب أن يقنع الملايين من العراقيين المساكين الذي احترقوا بلهيب قهره، وعرفوا أنه دائما مسلح.
أبعدُ الظن أن الرجل وشي به من قريب مقرب جدا في لحظة نوم، في لحظة حوار وثقة بمن حوله أو حتى في لحظة دخوله للمرحاض، حينها سطا الأميريكيون على مسدسه ومنعوه من لمس الزناد ليقتادوه كرجل الأذغال الى القبو الغريب حيث تم تمثيل آخر مشهد من الفلم الأميريكي.
هكذا وبعد أن كنا أمام شخصية خرافية هي الرقم واحد على الإطلاق في لائحة المطلوبين أصبحنا أمام المنزوع رقم واحد والضعيف رقم واحد والمنوّم مغناطيسا رقم واحد من بين جميع حكام الأرض.
لا بد من سؤال أخير، ترى هل يوجد رابط ما، بين زيارة جورج بوش للعراق قبل أسابيع بموضوع الحبكة السينمائية لمشهد اعتقال صدام حسين
بحيث يكون الاعتقال قد تم في حينها وجاء سيد البيت الأبيض لوضع الصورة الإخراجية النهائية مع تحديد ساعة الظهور؟ وإن لم يكن هذا هو الرابط المحتمل فلماذا جاء جورج بوش في زيارة خاطفة وسرية للغاية ام يعلن عنها ًلا إلا بعد عودته الى واشنطن؟
احتمال يستحق أن يؤخذ بعين الاعتبار أن يكون صدام قد وقع في أسرهم بعد آخر تسجيل صوتي له، بالتزامن مع زيارة بوش، واحتما ثان أن يكون من حينها يخضع لجلسات تنويم أميريكي، حتى يبدو في صورته التي أرادوا لها أن تكون..