حيان نيوف
&
&
كيف يمكن أن تصبح صحافيا في العالم العربي، بشكل طبيعي، دون مشاكل أو حواجز أو حتى حفر؟ هل هناك ما يمكن أن يتّبعه هذا المبدع العربي ليصبح صحافيا مثل "تعلّم فن الصحافة العربية في خمسة أيام" على طريقة تعلم رياضة "اليوغا" أو "بناء الأجسام"؟ وكيف أصبح الصحفي العربي فنانا إضافة إلى مهنته الرئيسية كصحفي، وأقصد بالفنان أي تعلمه على السقوط بالجبّ والخروج منه بشكل دائم؟!. وكيف يمكن لصحفي أن يقدم خدمات فكرية أو تحقيقات صحفية مفيدة للعامة وهو يرمي كل يوم إلى سلة المهملات أضعاف الورقة التي يكتبها عن أي موضوع بسبب خوفه وقلقه من أي شئ؟!
يضيع& الصحافي العربي بين نقابة رسمية تتاجر به وبالصحافة مثل التجارة بالسمنة (النباتية وليست البلدية!!) وبين أحزاب سياسية يهمها في النهاية مجموعة المبادئ الإيدلوجية التي يشهرها الحزب والتي على صحافييه أن يؤمنوا بها ويعملوا من أجلها كما لو كانت كتابا مقدسا لا يجوز الاجتهاد حول نصوصه. فمن جهة النقابات الصحفية العربية، إلا ما خلا بعض النقابات، فهي تؤدي ظاهرة عجيبة لا مثيل لها في العالم : عندما تكون النقابة ضد الصحفي. وكيف تكون النقابة ضد الصحافيين؟ ما يواجهه الصحفي العربي يوميا من مشاكل& على الصعيد المادي حيث يعاني الضائقة، وهذا ينعكس عليه وعلى أفراد أسرته، لأن ما تمنحه الكثير من الصحف العربية كأجر سوف يضحك صحافيا أوربيا إن سمع به. فيأتي دور النقابة هنا لتقدم لهذا الصحفي هاتفا بسعر منخفض أو بطاقة صحافية عليها صورة وخاتم!! أو تدعوه لحضور مؤتمر لبحث كيفية النهوض بعمل النقابة : وهنا إن كان كل شئ بحاجة إلى بحث كيفية النهوض به، حتى نقابة الصحافة، فماذا بقي من المجتمع أو حركته عموما؟ ومن يعرف فربما تكون هناك نقابات توزّع صور رئيس النقابة لأعضاء النقابة أو تمنحهم بركاته! وإذا انتقلنا من الجانب المادي إلى جانب آخر وهو التنكيل الذي يتعرض له الصحفي العربي، حتى على يد صحيفته، أو الحزب الذي ينتمي له، فهنا تتفرّج النقابة كما لو كانت نقابة جن وشياطين وليست نقابة صحافيين. ومما يدهش أكثر وأكثر هو أن بعض هذه النقابات قد تهاجم أي صحافي إذا لم يوافق رأيه رأي رئيس أو "زعيم" النقابة وقد يطالب باعتقاله: وهنا نصل إلى أغرب ظاهرة على سطح المعمورة عندما تطالب نقابة صحافية بحبس صحفي! فأين يتجه الصحافي العربي في أجواء الضيق والتضييق هذه؟.
وعندما استمع إلى أحاديث بعض المؤسسات الإعلامية الدولية عن "الاستثمار الصحفي والإعلامي" أضحك كثيرا، وأفكر في دعوة بعض هذه المؤسسات لتشاهد كيف تستثمر بعض النقابات الصحفية العربية - أقول بعض-& فيبدأ الاستثمار من رقبة الصحافي وينتهي في جيب رئيس النقابة. وكما يبقى الموظف في دائرة حكومية عشرات السنين حتى يتقاعد ويخرج على المعاش، فإن رئيس النقابة أيضا لا يترك رئاسة النقابة وفي جسمه مفصل على مفصل فهناك المزيد من الفرص "لللإستثمار"& وتبديل السيارة كما تبديل السيجار الفاخر لأن كتابة المقالة لا تحلو وتكتمل دون سيجار فاخر قد يطعم سعره صحافيا جائعا ليومين. وأما ندوات بعض النقابات الصحفية فهي ذات طابع "عالمي" ولكن ليس لها أي طابع محلي: يمكن أن تتحدث الندوة عن زراعة الرز في الصين أو أوضاع الهنود الحمر أو المتمردين التاميل، وفي النهاية يتم التطرق إلى وضع الصحافي فتكون معظم الأصوات مجمعة على الحالة الجيدة من كافة النواحي لهذا الصحافي وخاصة لما يتمتع به من عناية رئيس النقابة الفذ!
إذن، وببعد واقعي موضوعي للقضية، يبدو الصحافي العربي ضائعا : إما الرضوخ لتعليمات النقابة ووصاياها الألف، المعادية لطموحات وآمال الصحفيين، وإما الانشقاق عن هذه الوصايا وبالتالي على الصحافي/الصحافية تحمل عواقب هكذا قرار، ومن أبرز هذه العواقب: الطرد من النقابة، سحب البطاقة الصحفية، تحشيد الرأي العام الرسمي على هذا الصحفي..الخ. و إلا على الصحافي أن يستسلم ويكتب مقالات "عارية" بلا معنى أو هدف سوى أنها كلمات عشوائية على ورق أبيض. وهكذا تصبح الصحافة العربية "خالية من الكحول" أي بلا هدف أو اهتمام بالقارئ، وتكون هنالك تلك التكاليف الباهظة في شراء ورق أبيض، فتذهب الصحف إلى محلات بيع الساندويتش وليس إلى& القارئ. حتى هذه المحلات أصبحت ترفض استخدام ورق الصحف الرسمية لوضع الساندويتش بها خشية أن يصاب الزبون بالقرف فيتعكر مزاجه ولا يستطيع إكمال الساندويتش .&
وكما أن عبارة "استثمار صحفي وإعلامي"، التي تطلقها مؤسسات إعلامية غربية، تضحكني فإن العبارة الأخرى وهي "استراتيجية النهوض بالصحافة& تضحكني أكثر. وهذه العبارات غالبا ما نجدها كحلقات نقاش في المؤتمرات الدولية، وهنا يجدر بنا القول بأن العالم العربي خارج كل هذه الأمور. إن هذه العبارات تخصص للدول التي توجد فيها "صناعة صحفية" مثل أي مورد آخر، وليست صحافة "لملمة أخبار" وترويج لنوع السيجار الذي يحبه رئيس النقابة!
وإحدى بدع العرب "الصحافية" هي ما سمعته منذ فترة على إذاعة BBC، وفي حلقة خاصة عن الصحافة العراقية، حيث قال أحد الضيوف بأن "النقابة في زمن حكم صدام كانت تتألف من عناصر رسمية ليس لها علاقة بالصحافة وإنما تأتي إلى النقابة من أجهزة صدام". هكذا تصبح نقابة الصحافة نقابة "للموت"، وهنا أشبّه بعض هذه النقابات العربية بذلك البائع الذي وضع عربية موز أمامه ولكنه كتب عليها " ما أرخصك يا تفاح "!!.&
التعليقات