&
من على (منبر خطبة صلاة الجمعة)، قال أحد خطباء مساجد مدينة المحرق ــ وهو نائب بالبرلمان ــ ما نصه نقلا عن إحدى الصحف المحلية: (فليعلم الناس في البحرين كلها أنني من أشد المعارضين لمثل هذه المجالس ــ أي البرلمان ــ وقد كنت أقول ذلك قبل دخولي المجلس بوضوح، لكن أما وقد فرض علينا ألا نتركه لـ (الفسقة)، فإنما ندخل اضطرارا كاضطرارنا لأكل الميتة)! كما أطلق مجموعة من الاتهامات ــ في سياق دفاعه المستميت عن مجلس النواب ــ على وسائل صحفية بمملكة البحرين واصفا إياها ــ حسبما نقلت تلك الصحيفة ــ بـ (المأجورة)!
وقال: إن النواب قد قدموا الكثير من المشاريع (الاستراتيجية) التي تهم الناس في حياتهم لكن الصحافة والإعلام وقفا منها موقفا سلبيا! كما قال: إن الإعلام "يمثل صوت الفاشلين"! ثم استرسل في كلامه الى ان تحدث عمن أطلق عليهم: "ثالوث الشر في الإعلام: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى"! والآن بعد أن استعرضنا هذه التصريحات (الصاروخية) التي صدرت عن ذلك النائب من على منبر الجمعة، لنا أن نعلق على بعض ما قاله من خلال أربع نقاط أساسية: أولا: من أعطى الحق وسمح لهذا النائب الفاضل بأن يستخدم (منبر صلاة الجمعة) للحديث عن انجازات مجلس النواب وللتعبير عن آرائه وعن وجهات نظره الشخصية؟! ألا يعتبر ذلك إهانة للمصلين الحاضرين بالمسجد؟! الا يعلم بأن الناس إنما تأتي باكرا الى خطبة الجمعة كي تستمع الى ما يزيد من إيمانها في الدنيا؟! ألا يعلم بأن الناس ــ في صلاة الجمعة ــ إنما تريد ان تسمع وتستزيد من الموعظة والعبرة والحث على العبادة والعمل الصالح ما يكفيها الى الجمعة التي تليها؟! لماذا قام بطرح أمور وموضوعات هي خارج نطاق خطبة الجمعة أساسا وحاول من خلالها إقناع الناس بما يراه (هو) صحيحا؟! ولماذا تكلم من على منبر المسجد بصفته (نائبا) وليس بصفته (خطيبا)؟! هل جعلت المنابر ــ يا ترى ــ وسائل يستخدمها النواب لإقناع الناس بإنجازات مجلس النواب إذا ما أيقنوا أن الناس لم تعد تسمع أو تصغي إليهم؟! إننا نقول هذا الكلام من منطلق غيرتنا وحرصنا الشديدين على الإسلام وعلى دور مؤسساته المجتمعية، ومن منطلق تأكيد الدور المهم الذي ينبغي ان يضطلع به خطيب الجمعة من خلال الخطبة.. فالناس محتاجة الى الدعوة والموعظة وكلام الإيمان الذي يخرج بها من هذه الحياة الدنيا ويقربها الى الآخرة، وهي محتاجة إلى التذكير بما ينبغي عمله للتقرب الى الله عز وجل.. أما الأحقاد والصراعات والمواقف الشخصية والأمور (الدنيوية جدا) المتعلقة بوجهات النظر فليست منابر المساجد مكانا لها وإنما توجد هناك الوسائل الخاصة التي يمكن طرحها من خلالها. ثانيا: قال النائب الفاضل ــ من على منبر المسجد ــ إنه لا يشرفه دخول البرلمان وانه كان من أشد المعارضين له، لكنه وجد نفسه مضطرا إلى دخوله لئلا يسيطر عليه (الفسقة)! وقد بذلت (شخصيا) جهودا حثيثة من أجل التعرف على أولئك (الفسقة) ــ الذين يريدون السيطرة على البرلمان ــ لكنني لم أتمكن من ذلك! فيا حبذا لو يتكرم النائب الفاضل ويعرفنا بأولئك (الفسقة) كي نحترز منهم ونقي أنفسنا من (فسقهم) والعياذ بالله! وإذا كان النائب الفاضل من أشد المعارضين للبرلمان قبل الانتخابات فلماذا نراه ــ وبمجرد دخوله البرلمان ــ قد أصبح من أوائل من يدافعون عنه، ومن أوائل من يشيدون بإنجازاته ومن أوائل من يعتبرون انجازاته (ممتازة)؟! ثالثا: نأتي الآن الى قضية (ثالوث الشر: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى).. فهذه ــ والعياذ بالله ــ ثلاثة أسماء لثلاثة أكبر أصنام من الحجارة كان يعبدها كفار قريش من دون الله تعالى في حقبة الجاهلية، وهي تذكرنا بـ(أبي جهل) و(أبي لهب) وغيرهما من كبار كفار قريش الذين كانوا يعبدون تلك الأصنام.. وقد استخدم النائب الفاضل أسماء تلك الأصنام ليصف بها من لا نعلم من هم حتى الآن! ولكن ما يتضح لنا هو أن تلك الأوصاف قصد بها أشخاصا معينين أو مؤسسات معينة! وإني لأسأل نفسي هنا: هل يوجد لدينا في البحرين من يستحق اطلاق مثل تلك الأوصاف عليه؟! وإني لاستغرب من أن يقدم أي شخص عادي ــ وبكل بساطة ــ على استخدام أسماء تلك الأصنام ليصف بها أناسا مسلمين يعيشون معه في مجتمع عربي إسلامي، فكيف إذا ما استخدمت تلك الأوصاف من قبل (خطيب مسجد) كان يجدر به ان يبتعد بنفسه عن مثل تلك المواقف التي استاء واستغرب لها الكثير من الناس؟! ان استخدام مثل تلك الأوصاف من قبل (خطيب مسجد) كان يفترض به أن يكون أول الناس معارضة لاستخدامها لهو أمر خطير للغاية.. اذ قد يسبب ذلك فتنة تحرض أفراد المجتمع وتؤلبهم على بعضهم بعضا، وقد يجعل ذلك مسألة التكفير والتفسيق بينهم أمرا عاديا ومتداولا بشكل يومي! فإطلاق اسم (صنم) كان الكفار يعبدونه من دون الله كـ(اللات) أو (العزى) أو (مناة) أو غير ذلك كـ (سواع) أو (يغوث) على إنسان مسلم هو فعل أعظم من التكفير بحد ذاته! لأننا حينما ننعته بذلك فكأنما نتهمه بأن الناس تعبده من دون الله وهذا أمر خطير جدا ولا يوجد أحد في مجتمعنا البحريني المسلم يستحق ذلك أو يرضى به حتى ان كان القصد معنويا! ولكم ان تتصوروا كيف سيكون حال مجتمعنا لو قام كل شخص لم تعجبه آراء غيره من الناس أو وقع بينه وبينهم خلاف بإطلاق الاتهامات عليهم ونعتهم بمختلف الأوصاف! إذاً على ذلك النائب الفاضل أن يتذكر كم كان حليما رسولنا صلى الله عليه وسلم مع الناس وكم كان لينا هينا خطابه لهم..عليه أن يتذكر كيف صنع عليه الصلاة والسلام مع الأعرابي الذي تبول في المسجد فهم الصحابة ليأخذوه بألسنتهم فقا لله أشرف الخلق: "دعوه"..عليه أن يتبع أسلوب النصيحة وأن يكون حكيما فيما يطلقه من تصريحات لأن ما يقوله (هو) سيحسب عليه وعلى (غيره) ممن لا ذنب لهم ولا يرضون بما يقوله أصلا. رابعا: أما ما قاله النائب الفاضل ــ نقلا عن الصحيفة المحلية ــ بشأن الإعلام من أنه يمثل صوت (الفاشلين)، فإن هذا الاتهام كبير وخطير جدا وعلى من أطلقه أن يتحمل عواقبه. فالصحافة ــ التي تعتبر إحدى وسائل ذلك الإعلام (الفاشل) ــ لن تكون ملومة الآن اذا ما قررت مقاطعة ذلك النائب وعدم التعاون معه "بتاتا" إثر ما بدر منه من اتهامات وتصريحات غير مسئولة لا يرضاها أي فرد يعمل في مجال الإعلام من رؤساء ومديري تحرير، ومحررين، وكتاب أعمدة ومقالات، وصحفيين، ومذيعين، ومعدي برامج وغيرهم، فهذه التصريحات لابد أن تكون قد صدمتهم (الآن) وأثارت استغرابهم وامتعاضهم بسبب صدورها عن شخص كان ينبغي ان يزن كلامه قبل أن يطلقه! [email protected]