دمشق: إنه الفنان التشكيلي السوري محمد أسعد سموقان.. الذي نعرف عنه بحثه الدؤوب في الأسطورة والتاريخ.. ونعرف تجربته الطويلة في الغابة التي ارتبطت باسمه.. وقدم نصاً تشكيلياً يحمل سلطاته البصرية على المشاهد.. التقته ايلاف ليحدث القراء عن مايسمى النص التشكيلي السموقاني.. فكان هذا الحوار:
ـ هل يمكن في البداية& أن نتحدث قليلاً عن مسيرتك الفنية؟
ـ أنا صاحب أول تجربة عرض في الهواء الطلق بسوريا.. مرت تجربتي بمراحل متعددة استفدت من التراث الأثري للساحل السوري وقدمت العديد من الأعمال في دراسة العنصر الوحيد.. انصب اهتمامي بتشكيل النشاطات الجماعية مع زميلي الفنان هيشون فأسس جماعتين تشكيليتين في الساحل السوري هما جماعة أوغاريت والأبابيل، عرضت في سوريا ولبنان وباريس وبرلين وموسكو وبطرسبورغ.
ـ لوحاتك نراها مختلفة الأشكال من حيث هي طولانية أو ذات حجم فأنت ترسم على المكعب؟
ـ العمل الفني بالنسبة لي هو عمل فني بالدرجة الأولى.. أي ليس لوحة ولا منحوتة وفي هذه الحالة أنا أقدم نصاً تشكيلياً أحاول الامساك بالضوء والاحتفاء به.. أفرش له بساطاً على الأرض أو يعلق على جدار فأرفع من أهمية معادلة الأفقي والشاقولي.. كما في بعض الأعمال حيث يختصر البعد العمودي إلى أقصى حد ويتنحى للأفقي أو العكس..
أما في حالة الرسم على المكعب.. فيكون المشاهد أمام فضاء شاسع.. فيحمل العمل بالضوء وعليه.
&ـ ماذا عن الحركة؟
ـ يلحظ المشاهد بشكل أولي تكاثفاً للخطوط فترتفع أهمية الرسم على حساب اللون.. وهكذا وصفها البعض أنها غرافيكية.. لها سلطات تفوق سلطتها الذاتية.. فالخط يكون شكلاً لعشبة صغيرة أو جذعاً لشجرة ضخمة ليتطور بحركات مختلفة مليئة بالحب والحياة.. قابلة للرقص ضمن سياق تشكيلي يحتفي بالضوء.
&ـ يبدو أنك تهتم بالشكل على حساب الفكرة؟
ـ الهم عندي هو هم شكلاني.. أحاول أن أقدم حالة جمالية مغايرة لجمالية الواقع.. اللون يغير وظيفته حسب الشكل الذي يغطيه وهذه الحالة جعلتني ألون جذوع الأشجار وأوراقها بمختلف الألوان.. فالعنصر يأخذ وظيفة جديدة فقط لأن لونه يتغير.
وأنا أعتمد على حالة التغيير البطيء والتدريجي في العمل الفني، فنمو العناصر الجديدة في لوحتي تكون على حساب العناصر القديمة.
فالغابة بعناصرها هي القاعدة ومنها تتوالد بقية الأشكال.. تأخذ منها وتعطي.. فالشخص أو الحجر هما تماماً نفس وظيفة جذع الشجرة أو أوراقها.. وهكذا يظهر الشكل الجديد للمشاهد.
&
ـ لندخل بشكل أعمق ونتحدث عن التفكيك والتركيب في عملك الفني؟
ـ أنا أعتمد على مبدأ التركيب الحر لجملة عناصر تتكاثف.. فأستطيع رؤيتها تتراكب فوق بعضها البعض.. تتقارب وتتنافر وفي النهاية أحاول تنسيقها وعزلها عن بعضها بواسطة الضوء حيث يستطيع المشاهد الدخول إلى عالمها، ويصبح مشاركاً في العمل. فيعيد تنسيق العناصر بخياله ثم يرتب السياقات ليقربها من دلالة معينة.. وهذه الطريقة تجعلني أمتلك كامل الحرية في تنفيذ العمل، أغير الأدوات المألوفة للرسم ثم الأدوات التي أرسم بها فأصل إلى نتائج مختلفة تخلقها حرية ممارسة التجربة والأدوات وهكذا أدخل في مواجهة أمام تركيب أو بناء كامل وأحاول تفكيكه إلى عناصر مبلورة بصياغة جديدة تحمل فعلها الأسطوري والبصري.

&ـ ماذا عن المرئي واللامرئي في عملك الفني؟
ـ العين بحاجة دوماً إلى تربية وتدريب ومن ثم إلى مران دائم.. فتصل بالنهاية إلى قدرة على تحليل إمكانيات الخط والنقطة، العناصر الأولى للتشكيل.
فمثلاً العين البسيطة لا تحس بالعمق والارتفاع وهي تخلط بين العميق والمرتفع من جهة وحار وبارد من جهة أخرى. فكيف بالمشاهد الأكثر اختصاراً.. وكيف له أن يحس بالخط المائل وإمكاناته المتراوحة بين الباردة والساخنة حسب ميلانه.. بين الأفقي والعمودي.

&ـ هل يمكن أن نتحدث عن المفردة التشكيلية لديك؟
ـ العين المثقفة بصرياً لا بد إلا أن تستمتع حتى في أقصى حالات الحلم والألم.. فغابتي التي ابتدأتها شكلاً في التسعينات.. حيث كانت التسمية الأولى للمعرض (الغاب) وليس (الغابة).. لماذا الغاب؟ لأن عملي على خلاف فناني التجريد.. هو جعل اللا مرئي مرئياً جداً.. أي أن عملي الفني هو بحث في الغابة عن الجميل حتى يصل في النهاية.. إلى قوتها النفسية المحرضة.
&ـ هناك من يتهمك بالتكرار وأن لغابتك سلطة على المشاهد؟
ـ هناك فرق بين التكرار والخصوصية.. فطبيعي أن يكرر الفنان التشكيلي المفردة التي هو أبدعها فأصبحت له قاموساً دخلت في سياق نصه فأنا دوماً أبحث عن مفردة تخصني وأفتخر بهذه الخصوصية. أما عن السلطة.. فطبيعي أن لكل عمل فني حالات جذب للمشاهد خاصة إن كان هذا النص يتعامل مع البصر.. البعض من الفنانين أعجب بالأعمال وحاول تقليدها.. وهذا لا يقلل من أهمية عملي بل يزيده انتشاراً وتتسع سلطته.. فأكثر من فنان في الوطن العربي والعالم.. أعجبوا بالنص التشكيلي أقول السموقاني وهم يتدربون على تنفيذه كغيرهم من المطربين الجدد الذين يتدربون على الغناء.. فأنا سعيد لأنني استطعت أن أخلق اتجاهاً جديداً في الرسم.

&ـ أنت أكثر فنان في الوطن العربي.. أو لنقل الفنان الوحيد الذي أخذ موضوع الغابة لزمن طويل ما السر في ذلك؟
ـ الغابة بجميع عناصرها من أغصان وأوراق وجذور.. هي مغرية للبصر والغوص بحركات الأوراق والأغصان وحدها يكفي لأن تدخل باباً مفتوحاً يقودك إلى متاهات ليس سهلاً الخروج منها.. فكيف بالفنان الذي يحاول أن يكشف العوالم الخفية للغابة.. فأنا فنان أطمح لأن أقدم ما لم يستطيع تقديمه الفنان روسو..

&ـ ماذا عن المساحة البيضاء أو لنقل الفضاء في عملك الفني؟
ـ الأبيض ليس هو أبيض بشكل مطلق، فأنا أضع الأبيض فوق الأبيض لخلق حالة ناصعة بيضاء جديدة تشكل فسحة راحة للمشاهد.

&ـ كيف تنظر إلى العلاقة بين الرسم والشعر؟
ـ لا أحد يختلف عندما نتحدث عن الأهمية الشعرية للرسم أو الأهمية التصويرية التي يحققها الشعر.
الفن التشكيلي والشعر يشتركان بأهداف واحدة.. التقى الشعراء والفنانون في المواضيع والأحاسيس ثم صيغ التعبير، فنجد شعراء فنانين وفنانين شعراء، ثم نجد اللوحة الشعرية.. والقصيدة اللوحة..
وإذا كان لا بد أن نذكر أسماء فنذكر بودلير ورامبو ومالارميه حيث نلحظ اشتراك الشعري بالفني ضمن جسد واحد، ليعبر عن صيغ ورموز الحياة والمستقبل، فكما القصيدة تأخذ دور اللوحة كحالة بصرية كذلك هي اللوحة تكون في متناول جميع الحواس.
&ـ وموقع الأصالة لديك؟
ـ أرى أن أي عمل فني لا ينطلق من فراغ، فكما له خصوصية تجربة الفنان الذاتية حيث يقال أنه (أصيل) فيجب أن تكون مفرداته من البيئة التي يعيش بها الفنان ليصبح أكثر أصالة.
والشرق عندنا غني بمفردات ورموز الجمال والخصب.. فالعمل الفني الأصيل هو الذي يجيد استلهام مفردات البيئة التي نما فيها.

&ـ أقول أن نصك هو سموقاني بكل ما تعنيه الكلمة.. أي أن مفرداتك التشكيلية والتكنيك ثم التنفيذ هي خاصة بسموقان رغم الكلية أو الشمولية التي يمتلكها.. ماذا تقول؟
ـ هذا كلام أو السؤال يختزل لوحتي إلى درجة شديدة، لأن العناصر المرسومة وخصوصاً في لوحة الغابة هي واقعية إلى أقصى حد لكنها تحمل قدرات لبس أقنعة مختلفة بألوان شتى.. غرائبية تتوضع بسياقات فيها تمجيد لأصغر جذر مرسوم.. كجذير الشجرة مثلاً أو نقطة الندى تحت الوريقة وكل ما هو كبير الشكل من عناصر أخرى يأتي لإبراز أهمية هذه المفردة..
أما البعد الشمولي أو الحداثوي هو في تمجيد الحركة واللون والريح حيث تعطى أهمية المكان والزمان ويتحقق الانقلاب التشكيلي المستمر بحرية الفعل على سطح اللوحة.
&أخيراً نقول أن الفنان سموقان يبحث في المدى الذي يحمل أبعاداً تاريخية لها فعلها الأسطوري وفعلها المستقبلي وكل ذلك أتى ليؤكد أهمية لوحة الغابة.