ناصر الحجاج
&
&
هاأنذا أعود إلى طفولتي التي لم أحيها كما أردتُ
النهر الذي كان يجري فيَّ
والأرض التي أطَؤها في ذاكرتي بذاكرتي،
والنخلُ الذي قُطعت أعناقه
كلّ أولئك ألتقيهم، الآن،
ألامسُ أطرافَ ثيابهم التي مزقتها الفاقة
وأُمسِّد بيدي على جدارٍ
دوَّنتْ عليه الحروب والثورات أسماءً لجلاديها
وخربشتْ فوقهُ أسماء ضحاياها..
الجدارُ هو الآخرُ
مزيجٌ من إرث أبي العلاء المعرّي
*

أحجارهُ الغريبةُ لملمتها السنواتُ
حجارةٌ من مبغى، حجارة من قبر لوليّ
طابوقة من سجنٍ أصبح ركاماً على أجسادٍ بلا هوية
وأخرى من ثكنة عسكرية ملطَّخة ببقايا شعارات الحرب.
أيها الجدار الذي هو نحنُ..
نثار من ماضٍ طافحٍ بالخوف والعتمة.
هل لك أن تنفضَ طلاء سنوات الصمتِ عن عباءتك؟!
أتراك تدري لأي جسدٍ تعود أحجاركَ؟!
إذ لا جسدَ لك إلاّ التضادّ
ولا روحَ لك إلاّ التناقض......
كنخلةٍ مزروعةٍ في غير أرضها.
أمرُّ عليك يا جدارُ أستقرئُ تاريخكَ
فلا أتبيّنُ من جغرافيتك إلا الغبار.
فبأيّ عينٍ عليَّ أن أراك!
وبأيِّ لغةٍ أقدر فكَّ رموزِ طقوسكَ
وطلاسم تعاويذك وصلواتك..
إذ يصطفُّ بجوارك العاطلون عن الجريمةِ
والممنوعون من القتل،
كآلاف الدنانير المهترئة الحاملة لصور الكارثة،
وآلاف الأطفال الممتهنين بيع أسلاك كهرباء المدينةِ
كم يكره أولاء الضياء!
كم يمقت هؤلاء أنفسهم!
ألأنَّهم يشعرون بنطفة المعارك الخاسرة، في دمهم!
ألعلّهم يتحسسون ما أفرغه آباؤهم من وبالٍ
في أرحام أمهاتهم!!
أقفُ الآن بين يدي النهر.
أرمي بحصى الحنين إلى قعرهِ
وأجرجرُ ساعاتي المتبقيةَ عائداً
إلى نهر آخرَ، بدأت أرسمهُ في مخيلتي
إلى حائطٍ أحجارُهُ من دمي
حيث نبضة واحدة تلمُّ كل ذرّاتهِ

&
* "ما أظن أديم الأرض إلاّ من هذه الأجساد"
&
التنومة- البصرة
25 كانون الأول 2003