نرين طلعت محمود
&
&
&
كان احدهم يصاب بنوبة خوف هستيرية إذا صادف ديكا، و أدرك بفضل نصائح المحيطين به انه مصاب بمرض نفسي فسعى للعلاج و صرح للطبيب بأنه يعتقد نفسه حبة شعير وكلما رأى ديكا خشي ان يلتقطه و يأكله فيصاب بهذه النوبة الهستيرية و بعد عدة جلسات اخبر طبيبه بأنه يشعر بتحسن بعد إدراكه انه إنسان و ليس& حبة شعير، فقام الطبيب بإجراء اختبار للتأكد من مدى استجابة المريض للعلاج فاحضر له ديكا لكن المريض أصيب بنوبة الخوف الهستيرية إياها و حين سأله الطبيب عن سبب ذلك؟
&أجاب المريض:لقد& اقتنعت بأني& لست حبة شعير و لكن من يقنع الديك بأنني لست كذلك.
هذه الطرفة على بساطتها تعبر عن حالة محزنة و مؤلمة تتمحور حول& الفكرة الثابتة التي تسيطر على نفوس العامة و& الخاصة من& المثقفين& في البلدان النامية& و هي ضرب من ضروب التركيز المرضي حول مسألة معينة،فالفكرة الثابتة أشبه برسالة واحدة حيث ثمة جزء صغير من الدماغ& في حالة من النشاط المبالغ به و جميع الأجزاء الأخرى في حالة نوم و بالتالي فإنَّ الفرد المصاب بالفكرة الثابتة يعجز عن ملاحظة أي شيء كان مما يحيط به و& تخضع& المكابرة و العناد و الآراء العنيفة للآلية ذاتها فالمكابرة و العناد شبيهان بالفكرة الثابتة إذ يستحوذ على الشخص رأي وحيد و حكم مسبق ويصبح أشبه بمسمار مغروس في الذهن،هذه المكابرة هي إذن رسالة وحيدة تحكمها القوانين العصبية التي تحكم التركيز و الفكرة الثابتة أي ان جزءا صغيرا من الدماغ في حالة العمل و جزءا كبيرا منه في حالة رقاد
و لذلك فالعنيد و المصاب بالفكرة الثابتة و المكابرة يفتقر إلى الوضوح قطعا بسبب انكماش الشعور لديه أي& أنه حالة تركيز لا إرادية و دون أي نتيجة عملية.
قرأت منذ أيام مقالا لأحدهم& يتوه فيه القارىء بين الفرضيات المحددة مسبقا و بين كم من الأسئلة و التفسيرات المختلفة و الأجوبة المحتملة لهذه الأسئلة،& و تساءلت عن كمية& الطاقة المهدورة& لدى كاتب أو كاتبة& المقال و الطاقة المهدورة لدى شعوب بأكملها و هي تهدر طاقاتها النفسية& من اجل تحقيق التوازن عن طريق الفكرة الثابتة و العصاب& بدل ان تصرف هذه الطاقات في أعمال مبدعة و خلاقة.
حقا ان هذا الموضوع يجب أن يأخذ& اهتماما& اكبر في أوساط المثقفين الذين يهتمون& بمساعدة هذه الشعوب التي وصل وعيها بذاتها& و محيطها لحالة منفصلة تماما عن الواقع و هي أشبه بفهم الأحداث على أنها عبث أقدار& و ليس على اعتبار أنها أحداث واقعية تنتج عن ظروف و شروط واقعية و محددة& يمكن فهمها و تفسيرها، و مع استمرار عجز هذه الشعوب عن القيام بأي دور فعال في حياتها استقر في لا شعورها إدراك& يقوم على ان كل الحوادث الواقعية التي تجري في العالم و في محيطها قد وقعت في زمن ما و انتهت و أنَّ ما تراه و تشهده هو استعراض مسرحي لما حدث او تقرر حدوثه سابقا و الفرد أمام هذا المشهد هو مسيَّر تماما و خاضع تماما لما تقرر و ما عليه سوى المتابعة و المشاهدة و السخرية و التندر من ذلك و تصبح الحالات البائسة الوحيدة من أجل تغيير هذا الواقع& هي حالات تمرد عنيفة تبدو كرد فعل& تجاه& العجز و التسيير بسبب بعدها عن أي قراءة واقعية موضوعية، و انطلاقها من هذا الفهم يجعلها& أشبه بالانتحار السريع الذي لا يغير من الواقع شيئا.
و عدت لعقدة الرجل الذي يعتقد انه حبة شعير و بعد العلاج استمرت المشكلة ذاتها في رأسه& مع تعديل طفيف يرضي به طبيبه المعالج حين قال أنا اقتنعت و لكن من يقنع الديك بأني لست حبة شعير& ففي الأمس و أنا أحدث إحدى الصديقات عن مواضيع تشغل الإنسان المسلم هذه الأيام و بعد جهد و لأي و طول بال& و نحن نستعرض& تاريخ الامبرطوريات القديمة& توصلنا معا لفكرة ان للشعوب و الدول مصالح مختلفة،أحيانا& تتفق مصالحهم فيتعاونون على تحقيقها و أحيانا تفترق و أحيانا تتعارض فيلجئون& للتفاوض بحيث يضع كل منهم أعلى سقف واقعي من مطالبه الممكنة التحقيق& و ليس الخيالية و الحالمة و بالتالي& فكل الشعوب تنطلق من تحقيق مصالحها و ليس من أفكار و أحلام واهمة و عبثية إنما من حاجات واقعية و انتهى الحديث حيث انتهى الرجل المصاب بهوس حبة الشعير حين قالت لي حقا،& و لكن المشكلة ليست في الشعوب الإسلامية& إنما في& الغرب الذي عليه& ان يقتنع بذلك& و يتخلى عن أحلامه& القديمة في& تدميرنا و القضاء علينا و استعمارنا.