"إيلاف"من لندن: توجت الديموقراطية الجديدة ذات العام الواحد من العمر نفسها حين بدأ البرلمان الفتى الذي لم يمر أيضا على انتخابه عام واحد أيضا بخطوة نحو الحرب على الفساد الإداري والمالي في جهاز السلطة التنفيذية (الحكومة) مؤكدا بذلك قدرته في فرض الرقابة التشريعية التي منحها إياه الدستور.
وفي التفاصيل، فإن يوم الأربعاء بعد غد، يعتبر حاسما في مصير ثلاثة وزراء هم وزراء المال عبد الله سيف والدولة عبد النبي الشعلة والعمل مجيد العلوي، حيث يبدأ البرلمان بتقديم استجواباته لهم حول وقوع حالات من الفساد الإداري واختلاسات مالية كانت نتائجها إفلاس صندوقي التقاعد وهيئة التأمينات.
وأكدت مصادر لجنة التحقيق البرلمانية أن عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة ووولي العهد الشيخ سلمان بن حمد ورئيس الوزراء المخضرم الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة (عم الملك) أكدا على دعمهما القوي للجنة التحقيق في مهماتها.
وكانت خطوة استجواب الوزراء غير المسبوقة في البحرين، نالت قسطا كبيرا من التغطيات الإعلامية في صحف البحرين الموالي منها للحكم أو المعارض، كما أن الحدث تناولته صحف خليجية كثيرة بتوسع أو باختصار حسب الحريات المتاحة في كل بلد خليجي.
وفي جلسة البرلمان البحريني أمس أورد النواب متعاقبين حالات وأمثلة كثيرة على التجاوزات المالية والفساد الإداري منها ما كشفه النائب عبد النبي سلمان مقرر لجنة التحقيق البرلمانية من أن كلفة تجديد مكتب الوزير بلغت 70 ألف دينار متسائلا هل المكتب عبارة عن فيلا أم مكان عمل، وأشار إلى أن وزير المالية عبد الله سيف يتقاضى مكافأة سنوية مقدارها خمسة آلاف دينار بالرغم من أن هذا محظور في القانون.
وقالت صحيفة (الوطن) العمانية أن وزير المال الذي أحرج من جراء ذلك حاول أن يبين للنواب أنه يقوم بتحويل المكافأة لتدخل في موازنة الحكومة، إلا أن النائب عبد النبي سلمان أكد أن المكافأة المذكورة حولت لتدخل في الحساب التقاعدي للوزير.
وكما فعل النائب سلمان في الجلسة السابقة للبرلمان من كشفه لورقة تحوي فضحية مالية وتكشف حالة من حالات الفساد، بدأ عدد من النواب بالكشف عن أوراق مشابهة تتضمن توثيقا لحالات من الفساد في صندوق التقاعد وهيئة التأمينات.

فمن ناحيته، كشف النائب جاسم عبدالعال عن وجود مصروفات تفوق 117 ألف دينار نظير تجهيزات مبالغ فيها لمقر هيئة التأمينات، وأن صندوق التقاعد بدوره أدخل نظام الحاسب الآلي بمبلغ 125 ألف دينار ثم قام بإلغائه بتبرير عدم جدواه.
وتقدم النائب يوسف زينل ليلقي بوثيقة تشير إلى قيام مدير الشؤون الإدارية بالهيئة بتبديل قطع في الحاسبات الآلية بقطع أقل منها جودة, أما النائب الإسلامي المتشدد محمد خالد فأشار إلى أن صندوق التقاعد صرف ما قيمته 100 ألف دينار للاحتفال بيوبيله الفضي، وتساءل أي احتفال تصل كلفته لهذا المبلغ؟.
كما أشار إلى أن هناك مديرا في التقاعد (وأوضح أنه موجود حاليا في القاعة) كان يقوم باستبدال تذاكر سفره على الدرجة الأولى بأخرى سياحية خلال مهماته الرسمية ليقبض المبلغ الذي يشكله الفارق في السعر.
أما رئيس لجنة التحقيق النائب فريد غازي فقد هدد وزير المال عبد الله سيف بأوراق أخرى مازالت طي الكتمان، وهل يريد الوزير أن يتم كشفها واستعراض أسماء الأشخاص الذي اضطلعوا بعمليات بيع أسهم هيئة التأمينات أو أسماء الأشخاص الذين ألغيت عليهم قروض استبدال المعاشات خارج شرعية القانون.
من جانبه أوضح وزير العمل الحالي الدكتور مجيد العلوي وهو أحد الوزراء الثلاثة الذين يطالب بعض النواب بطرح الثقة فيهم، أن الحكومة على استعداد أن تعيد أحد القروض المختلف عليها وهو قرض مركز المعارض بكامله ومع فوائده.
وخلال رده على الوزير، قال النائب عبد النبي سلمان من جانبه أن على الحكومة أن تحاسب المسؤولين عن تشتيت الأموال لا أن تقوم بإحالتهم للتقاعد أو إبعادهم عن مناصبهم دون مطالبتهم برد الأموال أو أن تسددها هي بنفسها.
وقالت صحيفة (الأيام) الموالية للحكومة أن رئيس لجنة التحقيق في إفلاس الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة لصندوق التقاعد النائب فريد غازي وزير الدولة عبد النبي الشعلة للاستقالة من منصبه حتى وان كان حسب قوله في منصب وزير دولة قائلا "عليه تحمّل المسؤولية والاستقالة، فتلك هي المسئولية السياسية التي حمّلها إياه التقرير"، مؤكدا على أن الوزراء متضامنون فيما نتج من أخطاء "والشعلة هو المسئول المباشر عن وجود الأخطاء".
وعلى صعيد متصل، دعا النائب الأول لرئيس مجلس النواب البحريني عبد الهادي مرهون الوزير الشعلة للمثول أمام البرلمان للرّد وتقديم دفاع موضوعي على كافة الاتهامات التي وجهت له سواء من النواب او من تقرير لجنة التحقيق.
وقال مرهون حتى لو تم الاتكاء على المادة ?54? فمن يثبت تقصيرهم من الوزراء عليهم المبادرة من تلقاء أنفسهم للخروج من الوزارة أو تتجه السلطة التنفيذية لإقالتهم قبل استخدام الأدوات البرلمانية ضدهم، مشيرا إلى أن هناك شبه إجماع على الاستجواب وبذلك انتقلت المشاورات لمرحلة أخرى متقدمة في شأن سحب الثقة والتي ستتطلب الحصول على ?72? صوتا لن نعدمها، حيث أننا نتوافر على عدد كبير منها حاليا.
ونقلت (الأيام) كلاما لوزير التجارة علي صالح الصالح رداً على سؤال النائبة سعدي محمد حول الأعمال الخاصة التي يمارسها الوزراء بطريق مباشر أو غير مباشر أن الوزارة ليس لديها أية معلومات عن ذلك وبإمكان النائب أن يطلع على موقع الوزارة الإلكتروني على شبكة الإنترنت.
وقالت الصحيفة أن النائب سعدي أبدى استياءه الشديد من تأخر وزير التجارة من الإجابة على سؤاله أكثر من ستة أسابيع في حين تحدد اللائحة الداخلية مدة ?51? يوما للإجابة
وقال سعدي"كل تلك المدة لإجابة غامضة من عشرة سطور .. وأنه سيكشف عن وثائق وأوراق تدين الوزراء الذين يمارسون أعمالا خاصة وسيكشف عنهم بالاسم خلال الجلسة التي سيناقش خلالها السؤال".
وأشار إلى أنه تعد مزاولة الوزراء لأي أعمال صناعية أو تجارية أو مالية مخالفة صريحة لنص المادة ?58? الفقرة ب من الدستور، معتبرا أن رد وزير التجارة بمثابة استهزاء بأعضاء المجلس النيابي المنتخب مؤكداً أنه لن يمرر ذلك للوزير
ومن جانبها، نقلت صحيفة (الوسط) القريبة من المعارضة والتي انشئت مع قيام الديموقراطية في البحرين عن رئيس لجنة التحقيق البرلمانية في إفلاس هيئتي التقاعد والتأمينات فريد غازي قوله "إن الاستجواب في حال حاجتنا إليه لن يطلب من طيف سياسي واحد وإنما سيكون باتفاق وتوقيع رؤساء جميع الكتل"، وهو أشار إلى أنه شخصيا سيوقع الطلب "بعد إجماع يؤكد وحدة الموقف تحت قبة البرلمان".
وقلل غازي من شأن احتمال تراجع بعض الكتل النيابية، مؤكدا "سير النواب وفق استراتيجية متفق عليها، وان مثل ملف هيئتي التأمينات والتقاعد لا يدع لأحد فرصة التراجع لارتباطه بالقواعد الشعبية".
وكانت أنباء سرت بعد جلسة السبت الماضي تفيد تراجع أكبر الكتل البرلمانية عن موقفها، في إشارة إلى "الأصالة" و"المنبر الإسلامي"، و"المستقلين"، إلا أن عناصر من تلك الكتل نفسها بدت متحمسة إلى اتخاذ "موقف يرضي القاعدة الشعبية ويرجع الأموال إلى صناديقها ويحاسب المسؤولين عن تجاوزات الهيئتين".
وقال (الوسط) أنه بدا من تصريحات رؤساء الكتل أنها متماسكة وأن اتفاقهم على موقف واحد ضرورة أجمعت عليها الأطياف السياسية كلها تحت قبة البرلمان.
وحسب مصادر مطلعة فإن "بعض النواب على استعداد للتخلي عن كتلهم التي ينتمون إليها في حال تعارض وجهة النظر في مسألة الهيئتين".
وختاما، فإن (الوسط) نقلت من ديوانية النائب حسين بو خماس، كلاما لفريد غازي رئيس لجنة التحقيق البرلمانية أوضح فيه أن الملك حمد بن عيسى آل خليفة وولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة يدعمان مجلس النواب ويطلعان على جلساته، ويوليان مناقشات المجلس في قضية إفلاس الهيئتين أهمية كبيرة"، كاشفا في الوقت ذاته أن المجلس سيحسم القضية باستخدام حق الاستجواب بعد أن فشلت الحكومة في تفنيد الادعاءات الموجهة إليها "ما جعل المساءلة البرلمانية واجبة".
ونفى أية خطوة تراجعية بقوله لابد للمتجاوزين أن يتنحوا عن مناصبهم، وأشار إلى أن الإدانة السياسية ثبتت على الوزيرين "عبد الله سيف وعبد النبي الشعلة".