وداد فاخر
&
&

قرار مجلس الحكم العراقي بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لرجال العصابة الحاكمة وفروعهم العائلية، كان قرارا صائبا وحكيما، وهو يدل على وعي كامل من قبل السادة أعضاء مجلس الحكم، للحفاظ على الثروة العراقية، وأملاك العراقيين التي كانت توزع على حاشية الدكتاتور، وآله وأعوانه دون حسيب أو رقيب. فقد ملكوا المزارع والأطيان، وهيمنوا على كل موارد الدولة، ومؤسساتها فكانت لهم ملكا مشاعا، وكأنهم قد ربحوا العراق أرضا وشعبا بورقة يانصيب، لذلك تحكموا في كل شيء، بعد أن كانوا حفاة عراة، قدم الكثير منهم أو لنقل جلهم من خلف الدواب، ولم يصدقوا حتى في الخيال أن يحكم واحد منهم بلاد الرافدين حتى في الحلم. بدءا من صدام ابن العوجه مرورا ببائع الثلج عزت الدوري، والفلاح المعدم عبد حمود، أو نائب ضابط لم يملك غير بدلته العسكرية مثل طه الجزراوي، الذي أنكر أصله وفصله، فادعى العروبة أكثر من أهلها من العرب العاربة والمستعربة، وهو القادم من الجزيرة في تركيا، وزاد على ذلك بأنه عرضَ أبناء جلدته من الكورد الشرفاء لصنوف العذاب، تنفيذا لأوامر سيده القادم من قرية العوجه، وقس على ذلك الآخرين من القتلة والمجرمين، وقطاع الطرق من قادة وكادر البعث المتقدم.
فشخص مثل ( احمد حسن البكر ) لم يكن قبل 8 شباط 1963، سوى عسكري برتبة مقدم، رقي من قبل الإنقلابيين لرتبة جنرال، وهو لا يفهم من العلم العسكري ما يؤهله لذلك، ثم قفز السلم العسكري عدة درجات، على طريقة لعبة ( الحية والدرج ) ليصبح برتبة مهيب، وصدام حسين المتخلف عن الخدمة العسكرية يضع رتبة فريق أول ركن، ثم قفز لريبة مهيب دون أن يكون قد خدم يوما واحدا في الجيش العراقي المهزلة الذي حوى مثل هؤلاء القادة المزورين. أما حسين كامل وعلي حسن المجيد وعزت الدوري والصف الطويل العريض من الجنرالات المزورين فتلك مسألة أخرى لا يصدق روايتها العاقل. وكلهم قبضوا مرتبات قادة وآمرين، أو وزراء ومسئولين، وجلهم لم يحصل على الابتدائية.
فأثرت عشائر لم تكن معروفة للعراقيين في يوم ما، ولم يرد اسمها في السجل الوطني العراقي، ونهبت ودمرت، كعشيرة المقبور حرامي بغداد ( خير الله طلفاح ) التي تسمى ( عشيرة المسلط )، أو عشيرة صدام حسين المسماة ب
( البيجات )، ويقال إن أصل الاسم ( البوكات ) أي الحرامية أو السراق، وقلبت إلى الاسم الحالي، أو عشيرة راعي ( الهوش ) أو البقر ( أحمد حسن البكر ) التي يطلق عليها ( عشيرة البو ناصر ). وشاركت في غنائم السرقة المنظمة عشائر، وقرى المناطق التي تقع شمالي وشمال غرب بغداد من أزلام السلطة وقواتها الخاصة، وحرسها الجمهوري، الذي لا زال يدافع عن مكاسبه التي فقدها إثر سقوط النظام في 9 نيسان العظيم 2003.
والقرار الصائب لمجلس الحكم الذي لم يتحمس له احد فرسان 8 شباط 1963، يذكرنا بمقولة الخليفة العادل ( عمر بن عبد العزيز )" ت 101 هجرية"، الذي نادى وهو يعرض ممتلكات السفاح الحجاج بن يوسف الثقفي وزبانيته ( تعالوا إلى متاع الظَلَمة ْ )، وهو القائل عن آل ( المهلب بن أبي صفرة ) ب (الجبابرة)، وكان يكره سماع اسمهم.
والمعروف بأن من قتل الحجاج صبرا أي بحد السيف وباعترافه هم 100 ألف، ولكن الذي يقال إنهم 120 ألف، وعلى رأسهم كبار الصحابة وأهل الحديث، مثل ( كميل بن زياد النخعي ) و ( سعيد بن جبير ). أما ما أخرج من سجنه المشهورالذي كان يضم الرجال والنساء سوية وبدون حاجز، ولا يضللهم سقف، فكان 100 ألف رجل و 20 ألف امرأة.
وهو كصاحبه صدام يتشابهان في الكثير من القساوة والإصرار على قتل الأبرياء، والاعتداء على الحرمات. وقد قام الحجاج بضرب الكعبة بالمنجنيق في حصار ( عبد الله بن الزبير )، كذلك فعل المجرم صدام مع ضريح سيد الشهداء الحسين بن علي. ويشاركه في الجبن أيضا، فقد دخل قصر الإمارة في الكوفة، عندما دخلها شبيب الخارجي وزوجه غزالة وأمه وسبعون رجلا من أنصاره الخوارج، لذلك قال الشاعر شامتا به: ( أسد علي َوفي الحروب نعامة )
وكانت غزالة قد نذرت نذرا إن هي دخلت الكوفة لتصلين ركعتين شكرا لله، تقرأ فيهما سورتي ( البقرة وآل عمران )، وبذا قال الشاعر ( وفت الغزالة نذرها ).
فتحية إكبار للقرار الأخير لمجلس الحكم، وليكن قانون ( من أين لك هذا ) سيفا مسلطا على رؤوس الجميع حكاما ومحكومين، وها هو الزمن يعيد دورته:
( فهلموا أيها العراقيون لمتاع الظلمة ).......

كاتب وصحفي مقيم في النمسا