"إيلاف" من الرياض: لايمكن لأي مراقب وهو يلحظ التعيينات الوزارية السعودية الثلاثة الأخيرة إلا أن يطلق على معالي "الوزراء" الدكتور غازي القصيبي لقب "جوكر" الحكومة السعودية. فمعالي "الوزراء" غازي تسنم العديد من الحقائب الوزارية طوال ثلاثين عاماً فضلاً عن المناصب القيادية والدبلوماسية الأخرى.
وهو بدأ مشواره الحافل من وزارة الصناعة والكهرباء 1975-1982، مروراً بوزارة الصحة 1982-1984، ثم إقالته وتعيينه بعد ذلك في السلك الدبلوماسي سفيراً لدى البحرين حتى العام 1992، لينتقل بعد ذلك سفيراً لدى المملكة المتحدة، ثم يستدعى مجدداً في شهر سبتمبر من عام 2002 عبر إعادته إلى المعترك الوزاري مع تشكيل أول وزارة للمياه، قبل أن تدمج معها وزارة الكهرباء التي فصلت عن الصناعة في التشكيل الحكومي الأخير قبل عام. واليوم يتكيء على هرم وزارة العمل كأول وزير لها بعد أن جرى تقسيم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى وزارتين قبل أيام.
الحكومة السعودية اعتادت منذ العام 1975م على وضع اسم غازي القصيبي كخيار أول عندما تعترضها صعوبات تنموية في أيٍ من مؤسساتها الخدمية، حينذاك، تلتفت إلى القائد صاحب الأسلوب "الهجومي" كما يصف نفسه في كتابه "حياة في الإدارة"، وينتظره اليوم، وهو يتسلم حقيبة وزارة العمل، ملف هام للغاية، هو تقليص معدل البطالة في أوساط السعوديين في سوق تستوعب ستة ملايين وافد يقذفون سنوياً خارج البلاد نحو 70 مليار ريال كمدخرات، يمكن إعادة حقن نسبة كبيرة منها إلى الداخل، في حال وضعت برامج تدريبية متطورة تنمي قدرات الشباب السعودي ليحل بديلاً عن الأجنبي في سوق العمل الواسع والمتنامي.
في السعودية ظلت البطالة ومنذ نحو 15 عاماً عصية على الحل ومعدلاتها في ازدياد مستمر على الرغم من تباين النسب الرسمية التي تقول أنها في حدود 8.34% مع النسب المستقلة التي تؤكد أنها لاتقل عن 30% دون أن تستطع الهيئات والمجالس المختلفة أن تضع حداً لها كمجلس القوى العاملة الذي حُلَّ أخيراً.
وكان أمين مجلس القوى العاملة الدكتور عبدالواحد الحميد قد حذر من مغبة الاستمرار في السياسات المتبعة لاستقدام العمالة حالياً الأمر الذي سينتهي بوصول أعداد العمالة الأجنبية إلى أرقام عالية تقدر بـ 17 مليونا بمجرد حلول العام 2013، إن لم يعاد النظر في أسس الاستقدام الجارية.
وكانت دراسة محلية أجريت على سوق العمالة أشارت إلى أن المؤسسات التي يعمل فيها عشرة عمال فأقل تشكل نسبة الوافدين فيها 60% بينما العمالة السعودية 40% وفي القطاع الحكومي تصل نسبة الوافدين إلى 10% والسعوديين 90% في مؤشر واضح على وجود خلل هيكلي في سوق العمل.
وأسباب البطالة بين السعوديين بحسب اقتصاديين تعود لعوامل الإنتاجية والانضباط والأجور ونسبة إسهام المرأة والتستر على العمالة الوافدة، كما يلعب القصور في نوعية مخرجات التعليم الجامعي دوراً هاماً في استفحال البطالة إذ تمثل نسبة الجانب النظري 80% بينما يمثل الجانب التطبيقي 20%.
ويؤكد مختصون أن 74% من السعوديين العاطلين عن العمل من حملة الشهادة الثانوية فما دون؛ وهو أمر ينذر بعواقب وخيمة في ظل تنامي حوادث العنف التي تشهدها البلاد سواء ما عبر عن نفسه في شكل أعمال إرهابية منظمة أو تلك التي تأخذ طابعاً فردياً كحالات السطو والسرقة.
أمام هذا الملف ذي الأبعاد المختلفة والشائكة، يقف الدكتور غازي القصيبي الذي يحمل شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة لندن منذ منتصف الستينات، وصاحب التجربة الإدارية الطويلة، أمام تحدٍ كبير أطرافه عديدون، في مقدمتهم، رجال الأعمال والمتنفذون، ومنهم الطلبة، والمقبلون على سوق العمل، والمعاهد والجامعات، وقبل هذا وذاك تفاقم سكاني.
وفي التعيينات الوزارية الثلاثة الأخيرة التي أعتمدها العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز ملامح متعددة يمكن النظر إليها من جوانب مختلفة مأخوذاً في الاعتبار سِيَرْ وشخصيات الوزراء الثلاثة (د. غازي القصيبي، ود. علي النملة، وم. عبدالله الحصين) وطبيعة الحقائب الوزارية المناطة بهم والملفات الرئيسية التي تنتظرهم.
وإذا كان الملف الأبرز أمام الدكتور القصيبي هو ملف البطالة، فإن ملف مكافحة الفقر وتوفير الضمان الاجتماعي، هو التحدي الأكبر والرئيس، أمام الدكتور علي النملة الذي عين وزيراً للشؤون الاجتماعية بعد فصلها عن العمل وهو من أمضى في الوزارة بهيكلها وشكلها السابق خمسة أعوام.
ومشكلة الفقر لم تعد مجهولة للمجتمع السعودي بل إن القيادة السياسية اعترفت بوجودها الظاهر عندما قام ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز قبل عام ونصف العام أثناء شهر رمضان بزيارة للأحياء الفقيرة وسط مدينة الرياض أعقبها صدور قرار بتأسيس صندوق لمكافحة الفقر.
وتتلخص رسالة الصندوق في كونه "مؤسسة اجتماعية تعمل لتحسين ظروف الفقير، وتأهيله، والوفاء بحاجته، من خلال عطاء نوعي متبادل يشارك فيه الفقير، وتسهم الدولة في دعمه وتمويل برامجه ومشروعاته، مع المؤسسات الأهلية الربحية والخيرية، وبمساندة من الأفراد الموسرين، وبإشراف من رئيس مجلس إدارته الدكتور علي النملة".
الوزير الثالث، المهندس عبدالله الحصين، الذي لم يذق طعم الحقيبة الوزارية من قبل، كان يعمل محافظاً للمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، ثم عين في مايو من العام الماضي نائباً لوزير المياه والكهرباء، وهاهو اليوم يرتقي السلم ليكون الرجل الأول في الوزارة التي جاء من داخلها وعاش همومها.
أمام المهندس الحصين ملف هام، ألا وهو شح الموارد المائية، في ظل الأعداد المتزايدة من السكان الذين يتجاوز متوسط استهلاك الفرد منهم للمياه المعدل العالمي في بلد صحراوي يعتمد على تحلية مياه البحر لكي لا يهلك سكانه من العطش.
الملفات الثلاثة التي تنتظر الوزراء المعنيين، متقاطعة ومتكاملة، لكنها التحدي الحقيقي القادم للحكومة السعودية، ومعالجة هذه الملفات وطريقة التعامل معها سيلقي بظله على مستقبل البلاد.