&
الدار البيضاء-إيلاف
زيارة العاهل المغربي إلى جمهورية السنغال التي انتهت منذ يومين، وتلتها لقاءات مع أعضاء الجالية المغربية وممثليهم ومع المراجع الدينية التي خص قاداتها ورموزها حفاوة استثنائية للملك محمد السادس تأكيدا على الروابط الروحية المتينة التي تجمع المغرب والسينغال.
وكانت زيارة العاهل المغربي لجزيرة "غورى" محطة مؤِثرة لما تمثله هذه الجزيرة الصغيرة من دلالات عميقة.
ولعل الكثير حتى من أبناء إفريقيا أو حتى الأقطار القربية من المنطقة لم يسمعوا قط بهذا الإسم الذي كاد أن يطويه النسيان لولا العمل الدؤوب الذي قامت به قلة من المدافعين عن حقوق الإنسان داخل السنغال وخارجها حتى تبنت القضية منظمة "اليونسكو" وجعلت هذه الجزيرة معلمة تدخل في عداد التراث الانساني وسيقام فيها قريبا نصب تذكاري يخلد لإفريقيا صفحات أليمة من تاريخها. وفي الجزيرة توجد "دار العيد" التي أصبحت متحفا نادرا يشرف عليه جوزيف نداء الذي يلقبونه بالأب جو تحببا وتقديرا حيث شغل منصب محافظ هذا المتحف منذ سنة 1967.

تبعد هذه الجزيرة الصغيرة عن دكار بعدة دقائق فقط فهي على مرمى البصر من العاصمة السينغالية. ويسكنها حاليا حوالي ألف ومائتي نسمة أغلبهم يشتغلون في داكار ، لهذا فهي قطعة أرض تسبح هادئة في الأطلس ووراء هذا الهدوء يصطخب تاريخ مأساوي قل نظيره في تاريخ الإنسانية. وهذا ملخص الحكاية :
أثناء نشاط البحرية البرتغالية والإسبانية والإنجليزية وتنافسها وتوسع مدى أطماعها ابتداء من القرن الخامس عشر كانت إفريقيا ميدانا لتحقيق هذه الأطماع. وفي سنة 1444 اكتشف الملاح البرتغالي دونيس دياس هذه الجزيرة وكانت غير مأهولة. وأول ما شيد فيها البرتغاليون كنيسة تساعدهم في حلتهم لتمسيح القبائل الإفريقية من جهة والمساعدة على تطويقهم وتسويقهم عبيدا وبالآلاف نحو "العالم الجيد" بعد اكتشاف القارة الأمريكية. ومع نشاط هذه "التجارة" وتوسعها أصبحت "غورى" مركزا هاما لإقامة العبيد قبل شحنهم نحو الشاطيء الغربي من المحيط الأطلسي. لقد استمرت هذه "المعاملة" أكثر من ثلاثة قرون لا يمكننا بالضبط حصر عدد الآلاف من ضحايا القرصنة المنظمة. والشيء المحتمل وفق الدراسات الجارية في هذا الموضوع أن عدد الأفارقة الذين تم ترحيلهم من شواطيء غرب إفريقيا يتراوح ما بين 15 إلى 20 مليون بين رجال ونساء وأطفال انتزعوا انتزاعا من تربتهم وشتت عائلاتهم وذلك ما بين سنتي 1538 و1848 تاريخ إلغاء العبودية رسميا حيث ارتكبت بعد ذلك خروقات مؤكدة.
"إن الأفارقة يسمحون ولكنهم لا ينسون" هكذا يلخص جوزيف نداى محافظ المتحف الوضع حاليا. ويشرح وهو يشير الباب المطل على البحر بأن هذا الباب يطلق علية أسم "باب اللاعودة" ذاكرا أن الأمر يهم الذين يتم شحنهم نحو مصيرهم وكذا الذين يتم الإلقاء بجثتهم نحو البحر نتيجة تفشي الأمراض المعدية بين المرشحين للتهجير القسري مما جعل الساحل يعج بالتماسيح التي أصبحت تغذيتها مضمونة من هذه الجثت ومن آخرين يلقى بهم أحياء نحوها وهم المحتجزين الذين يحاولون الهروب حتى يكونوا عبرة للآخرين.
ويعتبر محافظ "دار العبيد" أن معلمة "غورى" تحتل موقعا وتحمل دلالة تقترب في عمقها ما يجسده تمثال الحرية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فهي تؤشر إلى ضرورة أن يظل الأفارقة مستحضرين ماضيهم الرهيب. ويمثل هذا الشيخ الذي يعيش خريفه السبعين وشغل منصب محافظ لهذه الدار ما ينيف عن السبعة والعشرين سنة وكان أحد& مظليي الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية ذاكرة متنقلة عن زمن تجارة الرقيق التي استهدفت أساسا أبناء القارة السمراء وتحويلهم إلى عبيد. ويقول الأب جو إنه كلما تذكر ماضي أجداده تلبس بروعه ما كان يعانيه هؤلاء ويتجرعونه من هوان.
ويحاول الأب جو إقناع زواره والصحفيين منهم خاصة بوجهة نظره وهو يؤكد "يكثر الحديث إلى حد الطفرة حينما يثار موضوع معسكرات اعتقال اليهود التي استغرقت اثني عشرة سنة" ونحن ندينها كجرائم ضد الإنسانية، لكن تجارة العبيد التي استغرقت 300 سنة لا يتحدث عنها أحد وسأظل أتحدث عنها طول حياتي"