لاهاي - يرى رجال قانون وخبراء دوليون ان تسليم الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش الى محكمة الجزاء الدولية في لاهاي امس في 28حزيران(يونيو) يشكل منعطفا بالنسبة للقضاء الدولي وخطوة حاسمة ضد "ثقافة الافلات من العقاب".
وقال الاخصائي الهولندي في القانون الدولي البرفسور ثيو فان بوفن "انه تأكيد لاتجاه بدأ يرتسم منذ بعض الوقت وهو ان مسؤولي الدول لم يعد لديهم اي ضمانة للحصانة والافلات من العقاب". واضاف "آمل ان يكون لذلك مفعول وقائي على امثال ميلوشيفيتش في المستقبل".
&وشدد رئيس محكمة الجزاء الدولية كلود جوردا وكذلك مدعيتها العامة السويسرية كارلاا دل بونتي على الوقع الحاسم الذي يتركه قرار الحكومة الصربية على مجرى العدالة الدولية. وقال جوردا "انها بداية حقبة جديدة للقضاء الدولي".
&فمحاكمة ميلوشيفيتش المقبلة ستشكل نموذجا ومثالا للمحكمة الدولية الدائمة المرتقب تشكيلها في السنوات المقبلة تحديدا في لاهاي حيث ايضا مقر محكمة العدل الدولية التابعة للامم المتحدة التي تبت في النزاعات بين الدول.
وتسليم ميلوشيفيتش الى محكمة الجزاء الدولية يمثل في نظر فان بوفن "مؤشرا على ان محكمة العدل الدولية يمكن فعلا ان تلعب دورا مهما في المستقبل".
&وسيكون للمحكمة الدولية الدائمة صلاحية اضافية مقارنة مع محكمة الجزاء الدولية. ويقول فان بوفين في هذا الخصوص "نظريا سيكون بامكانها محاكمة رؤساء دول لا يزالون في الحكم. لكن عمليا يوجد بالطبع ثغرة: كيف يمكن توقيف شخص لا يزال في السلطة في بلاده؟".
&وهذا التساؤل يفرض نفسه خصوصا وان ميلوسيفيتش لم يسلم في نهاية المطاف الى محكمة الجزاء الدولية الا بعد ضغوطات دولية كبيرة ومكثفة وذلك رغم انه كان قد خرج من السلطة.
&واعتبر بيار هزان صاحب كتاب حول محكمة الجزاء الدولية بعنوان "العدالة في مواجهة الحرب" ان "تسليمه يخلف طعما من المرارة. كنا نود لو انه حصل بدون ضغوط. عندها فقط يمكننا التحدث عن عدالة دولية فعلية".
&ويرى بيار هزان ان ادانة ميلوشيفيتش سيكون لها حتما "انعكاسات" موضحا "اذا لاقت المحاكمة نجاحا ستبعث نتيجتها على الامل. وسيظهر التناقض في سياسة الاميركيين. فهم المحركون الرئيسيون لمجيء ميلوسيفيتش (الى لاهاي) لكنهم يعارضون بشدة في الوقت نفسه (تشكيل) محكمة دولية دائمة". وتساءل "كيف سيبررون وجوب محاسبة دولة اخرى امام محكمة الجزاء الدولية بينما هم انفسهم يعرقلون انشاء محكمة دولية دائمة بسبب ما يمكن ان ينجم عنها من انعكاسات على مواطنيهم".
&ونظرا الى دورها النموذجي يفترض ان تكون مواقف محكمة الجزاء الدولية بعيدة من الناحية الاخلاقية، عن اي جدل. لكن "اثناء هجمات حلف شمال الاطلسي على بلغراد غضت محكمة الجزاء الدولية الطرف بسهولة كبيرة لاسيما في ما يتعلق بالهجوم على مبنى التلفزيون اليوغوسلافي. ونشأ عن ذلك شعور بان محكمة الجزاء الدولية ليست هيئة قضائية محايدة بل هيئة غربية"، كما قال فان بوفن مؤكدا ضرورة "معالجة هذا الامر".
وقد انشئت المحكمة في العام 1993 بقرار من مجلس الامن الدولي لمحاكمة الجرائم المرتكبة على اراضي يوغوسلافيا السابقة، في حروب كرواتيا (1991)، والبوسنة والهرسك (1992-1995) وفي وقت لاحق في كوسوفو (1999). واعلنت المدعية العامة كارلا دل بونتي مؤخرا ان صلاحيتها تشمل ايضا النزاع الراهن في مقدونيا.
لكن صلاحية هذه المحكمة "الخاصة" لا تتجاوز هذه المنطقة الجغرافية المعينة لذلك فان ايامها معدودة اذ ان وجودها ينتفي بعد محاكمة جميع الاشخاص المتهمين وصدور احكام في حقهم. (جوزفين فرانتزن- ا ف ب)