يعتبر موضوع تنسيق السياسات النقدية والمالية وصولا إلى الوحدة النقدية من أهم محاور استراتيجية العمل الاقتصادي المشترك بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وهو ما أكدته الاتفاقية الاقتصادية الموحدة حين أقرت مبدأ إيجاد عملة مشتركة وذلك تنفيذا للمادة (22) من الاتفاقية.
وتنص المادة المذكورة على " تنسيق الدول الأعضاء لسياساتها المالية والنقدية والمصرفية وزيادة التعاون بين مؤسسات النقد والمصارف المركزية بما في ذلك العمل نحو تحقيق التكامل الاقتصادي المتوقع بين هذه الدول".
ومثل هذه العملة الموحدة ستجعل حصول دول المجلس على مميزات تجارية أمرا ميسورا مادام يتحرك في إطار واحد وبعملة واحدة خصوصا وان مصالح دول المجلس متماثلة إلى حد كبير بالنسبة إلى تعاملاتها مع السوق الدولية.
وعلى الصعيد الداخلي للدول الخليجية فان الاستفادة من هذه الخطوة هي تسهيل معاملات المواطنين داخل دول المجلس بحيث لا تكون هناك أي قيود في أسعار الصرف وتوفير الحماية لهذه العملة من تذبذبات الأسعار للعملات الخليجية أمام العملات الأخرى كما حدث خلال فترة الغزو العراقي للكويت وتوفير الحماية للمستثمرين سواء من خارج المنطقة للاستثمار داخلها أو من داخل المنطقة للاستثمار خارجها.
وتنصب الجهود المبذولة لتوحيد العملة الخليجية لتحقيق عدة أهداف أهمها تعزيز الموقف التفاوضي الخليجي ككل في مواجهة شركائهم التجاريين الرئيسيين في أوروبا وأميركا واليابان.
كما ان توحيد العملة سينعكس أثره على الاتفاقات التجارية مع أي من الكتل الاقتصادية الأخرى مما يعني أسعارا أرخص للمنتجات المستوردة ويتيح فرصا أكبر لتخفيف القيود المفروضة على منتجات دول مجلس التعاون مما يزيد من إمكانات تسويقها.
غير ان مبدأ قيام اتحاد أو وحدة نقدية يظل هدفا قابلا للتحقيق على المدى البعيد لذا انتهجت دول المجلس أسلوب التدرج للوصول إلى هذا الهدف حيث تمثلت الخطوة الأولى في تطوير نظام سعر صرف موحد ثم العمل على خلق تكامل وتنسيق بين أسواق النقد ورأس المال في المنطقة مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إقامة اتحاد نقدي على مستوى دول مجلس التعاون.
ويرتبط هذا الأمر بصورة مباشرة بموضوع إيجاد مثبت مشترك للعملة وكان أمام محافظي المصارف المركزية في دول مجلس التعاون الذين درسوا إمكانية إيجاد مثبت ثلاثة بدائل أساسية هي الدولار وسلة عملات خاصة وحقوق السحب الخاصة.
وجرت مناقشة سلبيات وإيجابيات كل تلك البدائل للوصول إلى البديل المناسب حيث لاقى الدولار الاهتمام الأكبر كونه المصدر الرئيسي لعوائد دول المجلس من العملات الأجنبية الناتج عن تصدير النفط ومنتجاته وكذلك مدفوعاتها لاستيراد السلع الأجنبية إضافة إلى ان العديد من الدول الشريكة لدول مجلس التعاون في التجارة الخارجية تثبت عملاتها بالدولار بعد استبعاد دول أوروبا الغربية واليابان.
في حين أشار محللون اقتصاديون إلى أن بديل الدولار لا يخلو من السلبيات حيث أن الربط بالدولار يعني تعويم عملات دول المجموعة الخليجية مقابل بقية العملات الرئيسية مما يؤدي إلى تذبذب أسعار الواردات وبالتالي ارتفاع نسبة التضخم.
من جانب آخر حظي هذا الموضوع باهتمام كبير سواء على مستوى المسؤولين أو على مستوى القيادات العليا فقد شكلت اللجان ومجموعات العمل الخاصة بتنفيذ هذا المشروع وأعدت الدراسات الموسعة إضافة إلى استشارة جهات دولية عريقة كصندوق النقد الدولي.
أما على صعيد القادة الخليجيين فقد نوقش موضوع تنسيق السياسات النقدية والمالية بشكل مستفيض على مدار القمم الخليجية المتوالية حيث شدد أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في قمة مجلس التعاون الأخيرة بالبحرين على ان تركيز المجلس منذ البداية على التنسيق والتقارب الاقتصادي للتوجه نحو السوق الخليجية المشتركة هو التوجه الصحيح في مسار العمل المشترك.
ودعا ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير عبد الله بن عبد العزيز دول المجلس إلى بلورة استراتيجية بعيدة المدى لتشكل الأساس والمرجعية في العلاقات والمفاوضات الخليجية مع كافة الدول والتكتلات الإقليمية والمنظمات الدولية.
وأوضح ان الهدف من مثل هذه الاستراتيجية هو خلق قوة تفاوضية جماعية لدعم مركز ‏دول المجلس التفاوضي مع الأطراف الأخرى في مجالات الاستيراد والتصدير.
(وكالة الأنباء الكويتية - إيمان الحوطي)