&كتب مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الاوروبي& كريس باتن في جريدة الوطن العمانية& مقالا بعنوان :"أزمة الشرعية في الاتحاد الاوروبي وكيفية التعايش معها"، قال فيه:" بعد التصويت الأخير لايرلندا برفض اليورو تعود القضية المحورية للظهور مرة أخرى عند هذه النقطة من تطور القارة الأوروبية: كيف لنا أن نضمن شرعية ديمقراطية اكبر للاتحاد الأوروبي؟
ومن ظاهر التناقض أن أوضح علاج لنقص الديمقراطية هو أيضا الأقل قبولا لدى منتقدي الاتحاد الأوروبي ، والمتشككون في اليورو في بريطانيا كانوا يسخرون من مزاعم المفوضية غير المنتخبة ـ ولكنهم في الوقت نفسه لا يريدون أن يروا الانتخابات تجري بطريقة مباشرة فيها ، ثم أننا نملك بالفعل مكونات دولة أوروبية عظمى لها حكومة ورئيس أوروبا.
ومن شأن الانتخابات المباشرة أن تزيد من سلطة المؤسسات الأوروبية على حساب البرلمانات الوطنية& بيد أن الاتحاد الأوروبي عليه أن يقبل بعدم وجود ما يسمى بـ(العامة) الأوروبيين ـ بمعنى تعداد سكاني يشعر بكيانه المستقل. وبالتالي فمشكلة الشرعية والديمقراطية مشكلة عويصة وخطيرة على نحو خاص لأن الاتحاد الأوروبي قوي بالفعل.
والشرعية الحالية للمفوضية الأوروبية متحققة بعدة وسائل& فأعضاؤها يتم تعيينهم من جانب حكومات منتخبة ثم يتم قبولهم في جلسات تصديق من جانب البرلمان المنتخب مباشرة& وبرامجنا وقراراتنا خاضعة لتدقيق البرلمان وهيئات مثل محكمة المراجعين والمحققين ، وقد أدخلنا مؤخرا قواعد شفافية واسعة المدى والتي تجعلنا معرضين للتدقيق العام مباشرة ، وهي آليات مهمة ـ ولكنها لم تحصل حتى الآن على قبول شعبي حقيقي& وليس بوسعنا سوى أن نبدأ في العمل على الفوز بذلك القبول عن طريق توضيح ما هو دورنا& وبالتركيز على الكفاءة والنتائج& وبأن نستجيب للرأي الخارجي وممارسة انضباط ذاتي اكبر.
وثمة جانب آخر من الإجابة على انعدام الشرعية يكمن في البرلمانات الوطنية ، وفي الوقت الحالي لا يستطيع الاتحاد الأوروبي التعاطي مع هذا المصدر للشرعية لأن مبادراته غالبا من ينظر إليها كعدوان على الامتيازات الوطنية وليس كسعي مشترك ، وإذا كانت البرلمانات الوطنية لها دور اكبر في العملية الأوروبية فستضفي شرعية اكبر على الجهود العابرة للحدود القومية.
وتجدر الإشارة إلى أن إدخال الانتخابات المباشرة على البرلمان الأوروبي في 1976 قلل بشكل كبير من دور البرلمانات الوطنية. وقد فات أوان إرجاع عقارب الساعة ـ فالبرلمان الأوروبي يقوم بدور مهم حيث لا يقوم بمهمة يمكن أن يقوم بها موظفون محليون مؤقتون. على أن هناك إمكانية أخرى طرحها توني بلير رئيس الوزراء البريطاني والرئيس التشيكي فاتسلاف هافيل وآخرون بإنشاء غرفة ثانية للبرلمان الأوروبي تعمل على تطبيق مبدأ مناقشة القرار على أدنى مستوى: بأن يتم تحديد أي القرارات يجب مناقشتها على مستوى أوروبا وأيها يجب تركه للدول ، ويمكن اختيار أعضاء هذه الغرفة من البرلمانات الوطنية تكون مهمتهم ليس مراجعة التشريعات كلها ولكن فقط النظر في المقترحات التي تمت معارضتها على المستوى الأدنى من جانب عدد معين من الدول الأعضاء. والسؤال الآن: هل هذا التشريع مطلوب؟ هل يمكن تحقيق نفس الهدف بطريقة اقل تطفلا؟
وهناك فكرة أخرى هي أن الانتخابات للبرلمان الأوروبي يجب أن تحدث في نفس اليوم مع الانتخابات العامة الوطنية ، ثم يتغير الأعضاء بناء على أساس دوري مع كل انتخابات وطنية بدل أن تجري كل خمس سنوات ، وستكون لهذا الأمر ميزة مضاعفة ، فالإقبال على الانتخابات لن يكون عاليا وحسب بل إن الأغلبية السياسية ستعكس النموذج الوطني ، وفي الوقت الحالي ومع إجراء الانتخابات الأوروبية في منتصف فترة البرلمانات الوطنية غالبا ما يختار الناس تسجيل أصوات احتجاج ضد الحكومات غير الشعبية ، والنتيجة أن الغالبية العظمى في البرلمان الأوروبي يمكن أن تكون ذات خصوصية معينة& من المرجح أن الروابط بين البرلمانات الوطنية قد تتطور بشكل طبيعي في حالة ارتبطت الأغلبية السياسية داخل البرلمان الأوروبي بشكل وثيق بالبرلمانات الوطنية.
ومن الواجب على البرلمانات الوطنية لا سيما ويستمنستر الانخراط بالكامل في المشروع الأوروبي. ولماذا لا نجعل أعضاء البرلمان الأوروبي أعضاء بحكم المنصب في المجلس الأعلى الوطني بحيث يمكنهم العمل على ربط نقاشات السياسة الوطنية والأوروبية ؟ فمن المتعين على لجان الاختيار الوطنية الانخراط بشكل اكثر تنظيما في العملية التشريعية الأوروبية& والتقابل مع اللجان الشقيقة في الدول الأخرى الأعضاء ، وعلى الأحزاب السياسية الانخراط اكثر مع نظرائهم الأوروبيين ـ مثلما حاولت جاهدا ـ لا سيما مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني عندما كنت رئيسا لحزب المحافظين.
وأخيرا علينا أن نسعى لتحديد أين تقع الحدود بين الامتيازات الوطنية وامتيازات الاتحاد الأوروبي وذلك بشكل واضح وفي وثيقة سياسية. ونحن نعلم أن معاهدة تأسيس الاتحاد الأوروبي تدعو لاتحاد أوثق بين شعوب أوروبا ، وعلينا أن نوازن هذا الطموح مع الكلام لتوضيح أن وجود اتحاد مترابط لا يعني تقليص دور الدول ، وقد يكون ذلك في شكل تأكيد واضح أن مصير الاتحاد الأوروبي هو العمل بانسجام مع الدول الأعضاء وليس العمل على إدراجها ضمن كيان اكبر. وإذا كانت اللغة دقيقة بشكل كاف لكان لمثل هذا التأكيد الأثر في تشجيع المحكمة الأوروبية بشكل اكبر على طول الطريق الذي قطعته في عدد من القضايا الأخيرة في كبح مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
والحق انه لا شيء في جوهر العالمية يميزها عن القومية ، فكما قال المنظر الاجتماعي مايكل ليند: ليس من العدل الاعتقاد أن هتلر كان نموذجا للشخصية القومية وان البرت شويتزر كان نموذجا للشخصية العالمية ، ومن العدل والسخف في آن واحد معاملة غاندي كنموذج للقومي وستالين لنموذج للعالمي.
إن مفهوم الدولة القومية لا يزال حيا وبحالة جيدة ، والحق أن عدد الدول في أوروبا اكبر من ذي قبل. ولكن ثمة قبول واسع أن هذه الدول بحاجة لاستجماع سيادتها ـ وان القومي والعالمي يمكنهما التعايش معا بشكل مثمر ، والمشكلة هي في كيفية السيطرة ومنح الشرعية للهياكل المنشأة لهذا الغرض. وقد لا تكون هناك (عامة) أوروبية ولا من المنتظر أن تكون هناك مثلها بسبب اللغة والثقافة& وعليه إذا كنا نريد أن نزيد من السيطرة الديمقراطية علينا أن نجد سبلا افضل لربط المؤسسات السياسية القومية مع العابرة للحدود ، إنها المهمة المحورية للسياسة الحديثة".