&الى الشمال الشرقي من مدينة تدمر، وعلى مسافة لا تزيد على كيلومترين اثنين وتحديدا عند سفوح تل عويمر، كنا نقف مع الشاب احمد الحمد، نتبادل الحديث معه عن صحة المعلومات التي اشارت الى نشاط محموم لآليات كبيرة برفقة سيارات حراسة امنية، الاحد والاثنين الماضيين، بهدف نقل واخفاء ما يزعم بأنها "مقابر جماعية لمئات من اعضاء حركة الاخوان المسلمين السورية الذين تم قتلهم داخل سجن تدمر العسكري العام 1980".
المكان عموما هادئ تماما، ولا اثر لأي من تلك الآليات، كما لا يوجد أي موقع منبوش، بل وعلى العكس تماما فان ما يعكر انسياب سفح التل في الجهة الجنوبية الغربية، عشرات من اكوام التراب التي أُلقيت في شكل عشوائي غير منظم، كمخلفات للطريق الدائري الذي يلتف حول المدينة وتم انجازه قبل ستة اشهر على اقل تقدير.
وبالطبع لم تزر "الرأي العام" الموقع المزعوم ولم تتجول في المنطقة بأسرها من دون سابق تنسيق مع الجهات الرسمية، فالرحلة تمت بعد تقدم مجموعة من المراسلين المعتمدين في دمشق بطلب من اجل التأكد مما يشاع عن ان المقابر الجماعية بدأت ترحل، لكن المفاجأة كانت في الحصول على الموافقة صبيحة اليوم الثاني (الاربعاء الماضي)، في خطوة هي بالتأكيد دليل واضح على مدى التحول في التعاطي مع الاعلام، خصوصا تجاه مواضيع كانت تعتبر في ما مضى من المحرمات، التي لا يجب الكتابة عنها او حتى الحديث عنها.
والقصة بدأت منذ نحو اسبوعين تقريبا، عندما كتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك في صحيفة "الاندبندنت" مقالا ذكر فيه ان "قائد سرايا الدفاع العقيد رفعت الأسد أمر في 27 يونيو العام 1980 بقتل 500 من السجناء الاسلاميين، بعد محاولة عناصر من الاخوان المسلمين اغتيال الرئيس الراحل حافظ الأسد".
وفي السادس عشر من الشهر الجاري، تطرق "الناشط" السوري في مجال حقوق الانسان نزار نيوف في مؤتمره الصحافي الذي عقده في باريس للموضوع ذاته، وقال ردا على سؤال عما قاله الرئيس بشار الاسد في باريس من انه "لم يعد هناك معتقلون لبنانيون في السجون السورية": "(,,,) ان كلام الرئيس بشار الاسد غير دقيق وربما كان لا يعرف انه لا يزال هناك مئات من المعتقلين اللبنانيين في سورية الى جانب الذين قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية كشفت عليها شخصيا قبل اعتقالي، حيث شاهدت الجثث المشوهة بالرصاص والقنابل، وقد امرت السلطات السورية حديثا بنقل هذه المقابر الى اماكن بعيدة (,,,)".
بدورها وبعد يوم واحد من كلام نيوف، اصدرت "اللجنة السورية لحقوق الإنسان" من لندن بيانا تسلمت "الرأي العام" عبر البريد الالكتروني، نسخة منه، اكدت فيه ان "جرافات بدأت الليلة الماضية بنقل كميات كبيرة من التربة من موقع في شرق بلدة تدمر الصحراوية وسط سورية، وتشير الدلائل إلى أن هذا الموقع كان يشكل مقبرة جماعية لضحايا المذبحة التي ارتكبتها قوات سرايا الدفاع العام 1980 بحق معتقلين من جماعة الأخوان المسلمين".
ان كل ما تقدم يمكن اعتباره مؤشرات الى جدية فتح هذا الملف، خصوصا انها جاءت متوازية مع ارتفاع حملة رفع الدعاوى ضد مجرمي الحرب في العالم، وتحديدا منهم رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون التي شهدت قضيته زخما كبيرا استنادا الى القانون البلجيكي الذي يتيح بمحاكمة امثاله، كما ان ذلك يتقاطع مع تصريحات نيوف لـ "الرأي العام" التي نشرت في الرابع عشر من الشهر الجاري، واكد فيها انه يفكر برفع دعوى على رفعت الاسد في فرنسا او اسبانيا.
وهنا تفرض مجموعة من الاسئلة نفسها عن الاسباب التي دفعت نيوف الى اثارة هذا الموضوع، وما مدى مصداقية اقواله خصوصا انه ورط نفسه خلال الفترة الاخيرة في العديد من التصريحات المتناقضة؟ وما هي الفوائد المرجوة من ذلك رغم ان ما يسمى بالتيار المعارض داخل البلاد خصوصا اليساريين الذين يحسب نيوف عليهم، يسعون للوصول الى مرحلة التصالح عبر اطلاق جميع معتقلي الرأي، وبعيدا عن فتح ملفات، البلاد في غنى عنها حاليا؟
وفي عودة الى بيان "اللجنة السورية لحقوق الإنسان" والذي جاء تحت عنوان "أنباء عن إخفاء معالم مقبرة تدمر الجماعية"، فانه أكد: "وذكرت مصادر موثوقة للجنة السورية لحقوق الإنسان أن الجرافات بدأت بنقل كميات التربة، التي تحوي بقايا عظام ما يقارب ألفاً من ضحايا المذبحة التي نفذت بدم بارد من عناصر مختارة من اللواءين 40 و138 التابعين لسرايا الدفاع إلى جهات مجهولة داخل الصحراء".
وقال البيان: "أكدت المصادر للجنة أن عملية نقل التراب المختلط ببقايا العظام استمرت طوال ليلة الأحد ـ الاثنين وحتى بزوغ الفجر، وكانت برفقة الجرافات سيارات ستيشن بيضاء قام عناصرها بإبعاد بعض الرعاة الذين كانوا قرب موقع التجريف"، موضحا أن "الحديث تزايد اخيرا عن احتمال رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية لمحاكمة رفعت الأسد باعتباره المسؤول المباشر عن هذه المذبحة، كما أعلن معتقل الرأي السابق نزار نيوف عزمه على رفع مثل هذه الدعوى",
وبعيدا عن دقة او عدم دقة المعلومات السابقة التي تقول بارتكاب مجزرة في سجن تدمر العسكري، وان الضحايا دفنوا في مقبرة جماعية شرق المدينة، فان الرحلة التي ضمت اضافة الى ""الرأي العام" اثنين آخرين من المراسلين المعتمدين، ومرافقا رسميا، كانت تهدف الى تأكيد عدم وجود أي عمليات تجريف ونقل شرق المدينة بأكمله، الامر الذي ينسف احد ابرز مكونات الاخبار السابقة وهو محاولة اخفاء "المقابر الجماعية".
كان واضحا قبل بداية الرحلة التي امتدت لمسافة تزيد على 420 كيلومترا ذهابا وايابا، أنه لم تجر أي عمليات ترحيل، والا لما تم تنظيم الرحلة اساسا، فانطبق علينا تماما المثل الشعبي السوري القائل: "يلي بخفف راسه بتعب رجليه", لكننا ماذا نفعل اذا كانت الصفة الملازمة لنا بأننا نعمل في "مهنة المتاعب"؟.
انطلقت الرحلة من دمشق في اتجاه عاصمة احدى اهم الحاضرات العربية نحو الساعة الواحدة بعد الظهر، وعند الثالثة والنصف تقريبا كنا نفاجئ اسرة البدوي ابو محمد في قيلولتها داخل خيمتها.
ابو محمد اب لثلاثة اطفال صغار، وهو يمتهن الرعي عند غيره لانه لا يمتلك الغنم، وخيمته منصوبة على الطرف اليميني وعلى بعد نحو 200 متر من طريق تدمر ـ ديرالزور منذ نحو 10 سنوات كما اكد لنا، والى الجنوب الغربي منه بمسافة ليست بالبعيدة، يقع سجن تدمر العسكري والى جانبه المطار.
سألناه اذا ما طلب منه احد مغادرة المنطقة التي يقيم فيها او اذا ما شاهد اي عمليات حفر وترحيل للاتربة بهدف اقامة مشاريع مائية او كهربائية او ما شابه؟ فقال: "لم يطلب مني احد ترك هذه الخيمة، وانا متأكد أنه لم تحدث أي حفريات في المنطقة من هنا وحتى الحدود العراقية، باستثناء اقامة بعض السدود السطحية في البادية من اجل حبس مياه الامطار وراءها حتى تستخدم فيما بعد للماشية".
وقال وهو يفتخر بمسكنه "بيت الشعر" الذي ينيره ليلا اعتمادا على بطارية سيارة، "إن رئيس البلدية حضري من تدمر، وهو لا يريد ان يوصل لنا الماء والكهرباء حتى لا نستقر هنا، لكن السكن في الخيمة شيء جيد ونحن لا نخاف من النوم في العراء لان الحامي هو الله".
وعن الحفر المنتشرة حول منزله في شكل عشوائي، قال: "عندما تردت العلاقات بين العراق وسورية منتصف السبعينات، حفر الجيش الخنادق للدبابات من اجل حماية المطار وما زالت قائمة منذ تلك الفترة".
وبعدما اصر على تقديم الشاي لنا واخذ الصور الفوتوغرافية، غادرنا خيمة ابو محمد، في اتجاه المنازل القريبة منه في الشرق، والتي تبعد عن المدينة نحو كيلومترين اثنين، وعند اول منزل خرجت تستقبلنا عجوز بدوية وحفيدها الصغير، يسيران حافيين على ارض ترابية مليئة بالحجارة الصغيرة كافية لتجلس واحدنا في المستشفى اذا ما فكر بتقليدهما والسير لخطوات على هذه التربة الملتهبة.
سألتها، وزوجها العجوز على الاغلب يرقبنا من خلف الباب، اذا ما كانت تريد التحدث للصحافة عن بعض اوضاع المنطقة التي تقيم فيها، فردت سريعا بأنها لا تجيد التحدث في مثل هذه المواضيع ودلتنا الى منزل جارها حيث يمكن ان نجد ضالتنا,
لم ألح عليها لانه كان واضحا تماما على وجهها قرارها بعدم التحدث، فسألتها عن اسم جارها، لكنها ردت وهي تؤكد شكوكها وارتيابها نحونا، بأنها لا تعلم اسمه ولا لقبه، فقلت: "يا خالة امد الله في عمرك، انت تقيمين هنا، وجارك لا يبعد منزله عنكم اكثر من 100 متر ولا تعلمين اسمه؟"
اجابت، وكأنها تمن علينا بمعلومة خطيرة: "روح فيك تقله ابو عمار".
وعند منزل ابو عمار كان اول من استقبلنا كلبه، لكنه سرعان ما هرب بعد ان ترجلنا من السيارة, وهذا ايضا ازعجناه في قيلولته، لكنه بالتأكيد هو احسن حالا من سابقه ابو محمد، فهو يسكن في منزل اسمنتي ويمتلك سيارة بيك اب ويعمل في تجارة الغنم كما قال لنا.
سألناه ايضا اذا ما شاهد حركة غريبة في المنطقة خلال الايام القليلة الماضية، من قبيل وجود سيارات شاحنة او تركسات وما الى ذلك، فاكد انه لم ير أي شيء مما نقول في المنطقة الممتدة من المدينة وحتى حدود المنطقة التي يقيم فيها، باستثناء بناء بعض الاعمدة الاسمنتية الى الشرق من منزله وعلى مسافة نحو 700 متر اشار اليها بيده، وقال: "سمعنا انهم كانوا ينوون بناء فرع للسجن لكنهم اقاموا الاعمدة ثم تركوها على حالها منذ اكثر من شهرين".
ناشدنا ابو عمار بدوره، بالكتابة عن ضرورة مد تجمعهم بالكهرباء والماء "فنحن اشترينا الارض التي كانت مخصصة لاقامة مساكن عسكرية من اصحابها، وهي نظامية ونقيم فيها منذ عشر سنوات".
كنا نتجول في المنطقة ننقب عن مكان تعرض لعمليات ترحيل اتربة، غير ان الامر كان اشبه بمن يبحث عن "ابرة في كومة قش", ومع تقدم الوقت قررنا التوجه الى فندق "تدمر الشام" من اجل مأدبة الغداء, وفي الطريق اليها تجولنا داخل المدينة المسطحة التي غالبا ما لا ترى فيها منازل اعلى من اشجارها، والامر ذاته بالنسبة الى السجن العسكري الذي حيكت عنه القصص الكثيرة, وكم فوجئت عندما رأيته من على بعد امتار مثله كمثل أي قطعة عسكرية عادية، تحيط به اسلاك شائكة، وخلفها جدار من دون نوافذ على ارتفاع اربعة او خمسة امتار، لا يظهر فوق ارتفاعه من الداخل أي غرف، ومساحته لا تزيد في احسن الاحوال على مربع طول ضلعه 150 مترا، وهو بالطبع مثله كمثل سجن المزة الذي اغلق منذ شهور، يعود الى عصور الاستعمار الفرنسي او ربما التركي.
بعد تناولنا الغداء في الفندق عدنا ثانية الى شرق المدينة، وحاولنا هذه المرة التركيز في بحثنا عن المكان الذي يشاع أنه يضم "المقابر الجماعية".
وهذا الموقع قريب من المكان الذي كنا فيه سابقا، لكنه يقع الى الجانب الغربي من طريق تدمر دير الزور، وتحديدا قرب محطة وقود كانت تعرف باسم "الصفا" وتحمل اليوم اسم "محطة تدمر".
عندما دخلنا المحطة، كانت هناك اكثر من عشر سيارات، وكأن الامر يشير الى ان هذه هي المحطة الوحيدة على امتداد عشرات الكيلومترات في المنطقة, سألت احد الذين يعملون في المحطة عن موقع تل عويمر والطريق المؤدي اليه، فأشار اليه، وكان لا يبعد اكثر من بضع مئات من الامتار.
سلكنا الطريق القديم الى التل حيث يشاع ان عمليات الدفن الجماعي تمت في سفحه، الى ان تجاوزناها فخرجت لنا من خلفها ثكنة عسكرية دفعتنا للعودة الى الخلف.
وعموما فان التل صغير لا يزيد ارتفاعه على مئة متر، والمكان المقصود هو سفحه الشرقي الجنوبي، وهو عبارة عن ارض متدرجة الميول خالية من أي اشغالات، وتوجد عشرات من اكوام التراب على سفحه الجنوبي الغربي قرب الطريق الدولي المعبد حديثا.
على بعد اقل من مئة متر من الطريق القديم، رأينا شابا بين بعض المزروعات، قصدناه وحاولنا الدخول معه بحديث عن الموقع، وان كان شاهد فيه أي عمليات حفر وترحيل عبر آليات كبيرة وبحراسة سيارات امنية، فرد علينا الشاب احمد الحمد، مؤكدا انه "خلال الاشهر العشرة الاخيرة لم تشاهد في المنطقة اي عمليات حفر لا ليلا ولا نهارا".
وعن قصده في العشرة الاشهر الاخيرة، قال الشاب الذي كان يقف داخل مزرعته الصغيرة ويعمل في مدجنة ملاصقة لها: "كان آخر مشروعين هما شق الطريق الالتفافي القريب من التل، ومشروع جر المياه العذبة الى المدينة بموازاة طريق دير الزور الدولي وهو بعيد عن موقع تل عويمر".
وشرح الحمد لنا سبب وجود اتربة على سفح التل قائلا: "عندما قرروا شق الطريق الالتفافي حتى يخرجوا السيارات الكبيرة من بين اثار المدينة رموا بعض اكوام التراب على سفح التل، وكان هذا قبل عشرة اشهر، اما عمليات التزفيت فكانت قبل نحو ستة اشهر".
وعندما سألناه عن موضوع "المقابر الجماعية" نفى علمه بأي شيء عنها وعن مكانها، وهذا كان السؤال الذي دفعه بداية الى رفض اخذ صورة له، لكنه اقتنع اخيرا عندما قلنا له بأننا سنكون معه في الصورة.
وبعد انتهاء حديثنا مع احمد اتجهنا وعبر طريق ترابي الى موقع الاتربة وقمنا بمعاينتها والتقاط الصور لها، وكان واضحا أنها موجودة منذ شهور عدة ولا تحوي بقايا أي عظام داخلها.
لقد تأكدنا انه لم تكن هناك اي آليات في المنطقة على الاقل خلال شهور وليس خلال الاسبوع الماضي، ولا ندري ان كنا نسير فوق "المقابر الجماعية" لاننا لم نحفر الارض بالطبع، كما فعل نيوف، حسب تصريحاته حين اكد انه وجد العظام المشوهة بآثار الرصاصات وشظايا القنابل اليدوية, لكن الاسئلة التي كانت تدور في رأسنا اذا سلمنا بوجود مثل هذه المقابر في هذه المنطقة المنبسطة والمكشوفة امام سفح التل الاجرد، والقريب من مواقع مأهولة: "هل حقا يوجد هناك من يستطيع ان يحفر داخل الارض حتى يصل الى العظام من دون ان يشاهده احد؟ وهل من المعقول ان كانت هذه المقابر موجودة، ان تكون غائبة عن المراقبة الرسمية على مدار الساعة تحت أي حجة؟ ثم اذا كان نيوف وجد العظام المشوهة فلماذا لم يحتفظ بشيء منها كوثيقة أكيدة على الجريمة، خصوصا انه صرح اكثر من مرة بان يمتلك آلاف الوثائق، في الوقت الذي عجز فيه غيره من القول بامتلاكه وثيقة واحدة".
بهذه القناعات عدنا الى دمشق التي وصلناها نحو الساعة التاسعة ليلا، واتجهنا الى المؤسسة الرسمية ذاتها التي سهلت لنا اجراءات الرحلة، وهناك تبادلنا الحديث مع مصدر رسمي، فضل عدم الكشف عن اسمه، وتحدث الينا موضحا أن "الجهات الرسمية السورية تتعامل بكل حذر مع نيوف الذي حاول اكثر من مرة تأليف روايات بقصد استغلالها، ومنها على سبيل المثال رواية خطفه من قبل رجال الامن قبل سفر الرئيس الاسد الى باريس".
واوضح المصدر ان التصريحات التي ادلى بها نيوف "كانت كل مرة تناقض سابقاتها، ونحن مع علمنا الاكيد بانه لم يخطف وانما بات ليلته في دمشق عند احدى صديقاته في بلدة صحنايا ونحن نعرف المكان، لكن نيوف اصر على رواية الاختطاف".
وتابع: "في احدى تصريحاته اكد انه شاهد الطيار الاسرائيلي رون اراد في السجن داخل الحمامات، وكأن الاوضاع داخل السجون تتيح مثل هذه المشاهدات لمثل هؤلاء الاشخاص، هذا اذا سلمنا ان اراد كان موجودا في سورية، ثم ان اسرائيل اعترفت بأنها عندما اختطفت احد قادة حزب الله الشيخ مصطفى الديراني من منزله عثرت على وثائق بحوزته منها رسالة بخط يده يطالب فيها طهران باستعادة اراد".
وتم التطرق الى احتمال اختطاف نيوف من قبل مسؤول امني سابق كما حاول نيوف الايهام، لاصقا التهمة برئيس شعبة المخابرات العسكرية السابق العماد علي دوبا، فقال المصدر: "اذا كان نزار نيوف تحت الاقامة الجبرية، وكان العماد المتقاعد علي دوبا تحت الاقامة الجبرية كما ادعى نيوف، بل وان الحراسة الموضوعة عليه لعزله عن محيطه وتقييد حركته ومنعه من الهروب من سورية، فنحن نتساءل: من خطف من؟ ثم لا بد من التأكيد أن المسؤول السوري السابق هو في الواقع ليس تحت الاقامة الجبرية وانما حر الحركة في شوارع دمشق وقام اخيرا بالعديد من الزيارات الخارجية منها الى قبرص و مصر، اما الحراسة الموجودة حوله فهي لأهميته السابقة، لكنه بالتأكيد حر الحركة ويقيم في منزله".
وذكر المصدر ان "الاخطاء الكثيرة التي يرددها نيوف في تصريحاته تؤكد عدم معرفته بالامور التي يتحدث عنها، في شكل دقيق، فهو صرح في مؤتمره الصحافي الذي عقده في باريس اخيرا بان "ثمة محاولة الآن لتقليم اظافر جهاز المخابرات العسكرية واحالة جزء من مهامها على المخابرات العامة وامن الدولة باشراف اللواء بهجت سليمان، رغم ان علي الحوري هو رئيسها, وفي الواقع فان اللواء علي الحوري خرج الى التقاعد منذ شهور بسبب المرض وحل محله ضابط آخر".
واضاف: "ثم كيف يصرح ويؤكد اول مرة بأنه لن يدلي بأي تصريحات خارج البلاد، ثم يقول انه سيتحدث داخل الاجتماعات غير الصحافية، وفور وصوله الى باريس يعقد مؤتمرا صحافيا يقول فيه الكثير من الكلام".
واذا ما كانت دمشق ستفتح ابوابها له اذا ما قرر العودة اليها، قال المصدر: "نحن بداية نتوقع بأنه لن يعود، لكن اذا ما فكر بالعودة فلا مانع لدينا من ذلك، وعموما هو تحدث عن امور قبل ان يسافر الى الخارج اهم بكثير مما قاله في مؤتمره الصحافي، ولا توجد لدينا مشكلة في عودته وعلى الغالب سيتم استهلاكه خلال الفترة القصيرة المقبلة".
وختم المصدر كلامه بالقول ان نيوف "حاول قبل سفره الى باريس ان يثير السلطات المختصة حين ادعى بانه يحمل وثائقه معه الى الخارج ظانا ان الاجهزة الامنية ستفتشه، وهو ما كان سيستغله للادعاء بأنها خلصته من الوثائق، لكن الذي جرى انه سافر الى باريس من دون ان تواجهه أي عقبات وفوتنا عليه هذه الفرصة".
وهكذا يبقى نيوف وتصريحاته التي لا يمكن الا القول مهما كان موقفنا تجاهها، بأنها شكلت حالة جديدة رفعت سقف الانتقادات العلنية عبر مساهمتها في كسر "حاجز الخوف" لدى السوريين المقيمين داخل البلاد وتوجيه انتقادات واضحة لاجهزة الامن، لكن هل كل الانتقادات مفيدة؟ وما الجهات صاحبة المصلحة من فتح كل هذه الملفات حاليا، والى متى يمكن لنيوف ان يبقى نجما اعلاميا؟
اسئلة كثيرة ربما لم تتم الاجابة عنها في شكل كامل، لكن الحقيقة بدأت تلوح في الافق.