&
بيروت : ريما زهار : تعتبر ظاهرة الهجرة أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد الوطني وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية، وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في وقتنا الحاضر نظراً لتزايد عدد المهاجرين وبخاصة من الكوادر العلمية المتخصصة، وأثر ذلك على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للدول الإسلامية والنامية وحرمان هذه الدول من الاستفادة من خبراتهم ومؤهلاتهم بالإضافة إلى النتائج المترتبة على الهجرة الداخلية والمتمثلة بالنزوح من الريف إلى المدينة وما يترتب عليها من نتائج متعددة الجوانب، بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي وهذا ما نراه في الدول الإسلامية والنامية التي تتصف حركة القوة العاملة بها بالعشوائية والبعد عن التخطيط. والهجرة هنا تعني الانتقال من أجل العمل إلى بلدان متقدمة صناعية سواء للإقامة المؤقتة أو الدائمة..
وتكاد الدراسات تجمع على تحديد فئة المهاجرين - ما عدا الهجرة السياسية - فيما يلي:
1 - ذوي المهن الحرة كالأطباء والمهندسين والاقتصاديين والمحامين وغيرهم.
2 - الفنيون الذين يشكلون حلقة الاتصال بين المهندسين والعمال المهرة.
3 - العمال المشابهون للفنيين الذي هم العمال المهرة المكتسبون خبرة متخصصة في مجالات حيوية في الصناعة.
تنمية البلدان
والفكرة السائدة عن هجرة الكفاءات، هي أن هذه الهجرة تمثل عقبة في طريق تنمية البلدان الإسلامية والنامية ومن هنا فلدى معالجة هذه المشكلة التي يمكن أن نصفها مبدئياً بالخطيرة. فإن دراسة الظواهر والعوامل التي تساهم في هجرة هذه الكفاءات إنما تمثل نقطة بداية سليمة في وضع برامج فعالة للقوى كما تنطوي على عملية دقيقة في بناء المؤسسات العاملة في مجالي البحث والتعليم العالي وإذا كانت هجرة هذه الكفاءات تنتقص من أهمية قضايا أساسية أخرى من قبيل الاستقلال والتبعية والتخلف فإن التركيز على هذه المتغيرات المحورية إنما يبرز هجرة الكفاءات بوصفها ظاهرة فرعية ملازمة لهياكل أخرى قائمة على التبعية والجمود.
إحصاءات
إن إحصاءات هجرة الكفاءات من الدول الإسلامية والنامية بصفة خاصة، يشوبها قصور واضح ويبدو أن هذا القصور متعمد من جانب الدول المتقدمة المستقبلة للكفاءات، حيث تتجاهل هذه الدول نشر البيانات الواضحة عن حركة هجرة الكفاءات، على الرغم من وجود نظم إحصائية بالغة الدقة لدى هذه الدول في هذا المجال
أسبــــــاب الهــجـــــــرة
في إطار المناقشة العامة لهجرة الكفاءات يجب ضرورة تناول الموضوع سواء لتفهم أسباب الهجرة أم لاقتراح الحلول في إطار واسع يتجاوز العوامل الشخصية، ذلك أن قرار الهجرة لا يتخذ على المستوى الشخصي كاختيار حر ينسجم مع حق الإنسان في الهجرة، أو العمل حيثما شاء، لكن هجرة الكفاءات تمثل إحدى افرازات البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية. وتتشابك العوامل لتجتمع في سعي ملح للهجرة، وهي بذلك مؤشر لفشل خطط تنمية الإنسان اقتصادياً واجتماعياً وعلامة استسلام أمام عوامل تهميش الإنسان صانع التنمية وهدفها.
فالتجربة التي يعيشها المثقف في الدول الإسلامية أو في البلدان النامية تشتمل على عنصر الغربة والضياع في شتى المجالات، تلك الغربة التي يعيشها في كلتا الحالتين سواء استمر في وطنه إذ يكون حاملاً لمعرفة لا تكتمل بها شخصيته نتيجة لمميزات مجتمعه أو هاجر، وهنا يستوعب من طرف المجتمع المهيمن الذي يحتوي على ذاتيته مما يؤدي إلى الغبن الثقافي.
ردود الفعل
والحالة هذه تولد في الواقع ثلاثة أنواع من ردود الفعل للمثقف إذا لم يكن مهاجراً:
- فهنالك حالة العجز وانتفاء القدرة على العمل والتغيير والانكباب في الاستهلاك وتلك أشد حالات الاغتراب.
- تبني الأيديولوجية القومية على أساس أنها تعبر عن إرادة السيطرة على التكنولوجيا في سبيل الحفاظ على الذاتية والكرامة القومية.
- غلو السلفية والتنكر للتقدم بما فيه من أنماط تكنولوجية وثقافية، وهي أيضاً تشكل نوعاً من الاغتراب لأنها تنكر للتاريخ ولحقيقة وواقع دين الإسلام كونه دين علم وإيمان وهكذا تختلق ثنائية ثقافية مبنية على ثنائية اقتصادية تعكس الهيمنة المولدة للاغتراب الثقافي وهذه بدورها منعكسة من طبيعة المجتمع.
ولاشك في أن الكشف عن الأبعاد المختلفة لظاهرة هجرة الكفاءات من البلدان الإسلامية والنامية لأمر على جانب من الأهمية لأكثر من سبب. إذ يتخرج بضعة ملايين من مواطني الدول الإسلامية والنامية من الجامعات ومن ثم فإن المشكلات التي نواجهها حالياً في استيعاب الكفاءات العالية وتوزيعها واستخدامها، مشكلات محورية بالنسبة لرسم سياسات أكثر فعالية للقوى البشرية والتعليم. وسوف تستمر البلدان التي تفتقر في الوقت الحالي للكفاءات العالية في استخدام هذه الكفاءات من البلدان التي لديها فائض منها.

الـــدراســات الخـــاصة بالهجرة
تؤكد الدراسات الخاصة بهجرة الكفاءات العلاقة الوثيقة بين التعليم والتدريب في الدول المتقدمة وهجرة الكفاءات. فالدارسون في الخارج هم أكثر المرشحين للهجرة سواء بعد إتمام دراستهم أو تدريبهم مباشرة أو بعد عودتهم بمدة وجيزة.
وتشير بعض الإحصاءات أن نسبة 60 % من الدارسين في البلدان الغربية يهاجرون كما أن نسبة 15 % من الدارسين في الدول الاشتراكية السابقة أو الدول الإسلامية والنامية يهاجرون. ووفقاً لحسابات أجراها أحد الباحثين الإسلاميين وطرحها في ندوة (إكوا) اللجنة الاقتصادية لدول غربي آسيا التابعة للأمم المتحدة، فقد بلغت النسبة المئوية لهجرة الأطباء والمهندسين والعلماء من هذه البلدان إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية حتى سنة 2000 ما يلي:
50 % من الأطباء والبالغ عددهم 48000 طبيب و25 % من المهندسين والبالغ عددهم 34000 مهندس و15 % من العلماء العرب المشتغلين بالعلوم الطبيعية والبالغ عددهم 10500 عالم.
المصدر الرئيسي
إن المصدر الرئيسي للعلماء والمهندسين المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الدول هو مصر حيث هاجر منها 50 % من المجموع وهناك مصادر رئيسية أخرى هي العراق ولبنان ويقدم كل منها نسبة 15 % إلى 20 % وسورية والأردن وتقدمان أكثر من 5 % من المجموع وفلسطين التي أسهمت بـ 4 % من المجموع وباكستان 5 % وإيران 7 % ...
وقد تجاوز متوسط عدد العلماء الذين دخلوا الولايات المتحدة كمهاجرين 960 شخصاً في سنة 1990 أي بزيادة تبلغ حوالي عشرة أمثال فترة الستينات وقد انخفض هذا العدد خلال فترة الانتعاش النفطي وعاد ليرتفع بعد ذلك وظهرت هذه الاتجاهات في الدول الإسلامية وخاصة العربية منها التي تعتبر مصدرة رئيسية للعلماء والمهندسين المهاجرين.
زيادات
تعكس الزيادة البطيئة، لكن المستمرة، في هجرة العلماء والمهندسين العرب زيادات مشابهة في عدد العلماء والمهندسين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة من جميع البلدان الإسلامية والنامية. وهناك عدد غير معروف من العلماء والمهندسين الموجودين حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية بصفة غير مهاجرين أو انهم يعتزمون البقاء فيها بصورة دائمة دون تغيير وضعهم كغير مهاجرين، فيصبحون غرباء غير شرعيين، والجدير بالذكر ان عدد المهاجرين من هذه البلدان من الكفاءات العالية والمقيمين حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية فقط يقدر بحوالي 180000 (مائة وثمانون ألف شخص) ومع أن ظاهرة هجرة الكفاءات تختلف في نوعيتها إلى حد كبير من حيث هجرة الفئات الماهرة وغير الماهرة من العمال، فإنها تظل مرتبطة بهذه الأخيرة ارتباطاً وثيقاً فالسياسات الشاملة التي تؤثر على الفئات الأخيرة تؤثر عامة على الحوافز أو الموانع المتعلقة بهجرة الموظفين ذوي الكفاءات العالية على حد سواء، إلا أنه من الصعب وضع برامج وتنفيذ سياسات لفئات محددة بعينها، وبالتالي فمع أن الخسارة الاجتماعية الناتجة عن هجرة الكفاءات أكبر بكثير من هجرة العمال المؤهلين وغير المؤهلين (مادامت تكاليف تعليم الكفاءات أعلى بكثير) فإن اهتمام الحكومة بكسب النقد الأجنبي يحول بينها وبين اتخاذ إجراءات شاملة لإيقاف هجرة جميع الفئات والتي قد تكون الطريق الوحيدة الفعالة للحد من هجرة الكفاءات في المدى القريب. وكذلك ليس بالإمكان توفير حوافز متميزة لتشجيع فئة دون الفئات الأخرى.