&
إذ أن الجد قاد ثورة الشعب المغربي ضد الاستعمار بينما يقود الحفيد ثورة ضد النفس وهي أشد وأقسى...ولقد قال محمد الخامس في أولى خطبه بعد الاستقلال بأن المغرب خرج من الجهاد الأصغر ليبدأ الجهاد الأكبر. وبين العهدين مرت حوالي أربعين سنة مليئة بالأحداث الجسام من أجل، أولا، تأسيس قواعد الدولة المغربية ثم، ثانيا، على هذه الدولة. ولم يكن هذا بالأمر الهين حيث اختلفت الآراء في الطرق الموصلة إلى هذه الأهداف.
وأدى الاختلاف أحيانا إلى رفع شعارات مغالية ومجابهات مساوية أضاعت على المغرب الكثير من الفرص. وفي هذه الظروف اجتهدت العناصر المستفيدة من انتهاز الفرص وترسيخ شبكات متنفذة وقيام مصالح متداخلة واستغلال وسائل السلطة أبشع استغلال.
ومع تسلم محمد السادس مقاليد الحكم وجد نفسه محاطا بإرث لا تخفي إيجابياته على أحد لكن سلبياته الموضوعية ماثله وتحتاج إلى المعالجة. وبحنكة فائقة ورباطة جأش مثالية بدأ العلاج بدون بهرجة ولا اندفاع غير محسوب. وكأي عهد جديد ينشد التغيير انبثقت موجة من الحماسة المحمومة وتجلى ذلك من خلال أعمال جمعيات وأنوية المجتمع المدني والصحف المتكاثرة والصاخبة إن صح التعبير.
وبين الشد والجذب الذي ساد فئات واسعة من الرأي العام المغربي وعددا واسعا من أجهزة الإعلام العالمية وارتفاع أصوات بريئة وأخرى مغرضة مطالبة بإجراء عمليات قيصرية لمعالجة الأمور سار محمد السادس على طريق ثورته الهادئة لوعيه أنها ثورة على النفس قبل أن تكون ثورة ضد الآخر... إنها ثورة الإصلاح المبنية على المنهجية والإقناع.
لهذا، نلاحظ أمرا جديدا في ذكرى الجلوس وهو أن الشعب المغربي هذه المرة لا ينتظر فقط الخطاب الملكي بالمناسبة -والذي توليه الأوساط السياسية أهمية استثنائية- وإنما يعبر، فوق ذلك، عن الارتياح بالمؤشرات التي عاشها المشهد المغربي طيلة سنتين من حكم محمد السادس وإيجابياتها المتمثلة في حرية التعبير واتخاذ قرارات تهم توسيع الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الصحافة وسيادة القانون.
إذن فاحتفاء الشعب المغربي يوم الاثنين بملكه هو، في العمق، احتفاء بأعماله واحتفاء بثورته الهادئة والحكيمة.