&
&
حكمت السلالات الملكية البشرية طيلة معظم تاريخها، وادارة الرئيس جورج بوش (الابن) الاميركية الثانية، دليلا على مدى قوتها حتى ضمن الديمقراطيات الراسخة. اما في آسيا فان بنات الزعماء هن من يتقدمن لاحتلال مواقع آبائهن السياسية، متجاوزات بذلك الانحياز التقليدي ضد زعامة النساء.
فرئيسة اندونيسيا الجديدة ميغاواتي سوكارنو هي ابنة الرئيس احمد سوكارنو مؤسس دولة اندونيسيا. اما رئيسة الفلبين جلوريا ماكاباجال آرويو فهي ابنة رئيس سابق ايضا. وهناك وزيرة الخارجية اليابانية ماكيكو تاناكا، التي تتمتع بالشعبية الاكبر بين الشخصيات السياسية في اليابان، فهي ابنة رئيس سابق للوزراء. وحاليا تتجه الانظار في كوريا الجنوبية نحو بارك جوين هاي الابنة الاكبر للرئيس السابق بارك تشنج، الذي تعتبر شخصيته محل جدل بين من يصفه بالدكتاتورية ومن يعتبره مصلحا اقتصاديا. ومع تلاشي شعبية رئيس كوريا الجنوبية كيم داي يونج وسط اجواء الشك والخوف مما طرحه من "سياسة الشمس المشرقة" بالانخراط والتعاون مع كوريا الشمالية، شرع المراقبون السياسيون والمواطنون الكوريون بالتطلع نحو الانتخابات الرئاسية لعام 2002. ونظرا لشيوع النظرة الى الرئيس الحالي على انه "بطة عرجاء"، بحسب احد المحللين الكوريين، فهناك توقعان حول الانتخابات، احدهما ان من المحتمل جدا ان يكون الرئيس المقبل شخصا اكثر محافظة من الرئيس الحالي بكثير. وثانيهما ان من الممكن جدا بروز بارك كمنافس بارز في هذه الانتخابات.
ولو تمكنت بارك من ازاحة كيم عن كرسي السلطة، فان كونها انثى لن يكون المعيار الوحيد الذي يمكن من خلاله الحكم على مدى التغيرات التي طرأت على هذه البلاد، منذ ان كان والدها يتربع على سدة الحكم. ففي ظل ادارة والد بارك سجن كيم لاول مرة باعتباره منشقا. غير ان المطامح السياسية لبارك في صباها كانت تنطلق اساسا من "تعديل مسار الامور" ابان رئاسة والدها التي استمرت من عام 1963وحتى عام 1979. وتعلق ضاحكة بشيء من الحرج عند سؤالها ان كانت ستكون الرئيسة المقبلة للبلاد: "لا اتعاطى السياسة لانني اصبو للوصول الى اي منصب".
وكانت بارك بعد وفاة والدتها اثر محاولة اغتيال لوالدها دفعت دفعا للاضطلاع بأعباء دور السيدة الاولى. وبعد خمس سنوات على تلك المحاولة قتل والدها على يد رئيس المخابرات الكورية. وتجنبت الاضواء لمدة من الوقت، ولكنها عادت الى الحلبة العامة بعد انتخابها في الجمعية العامة (البرلمان) قبل سنوات. اما الآن فان بارك نجمة صاعدة وهي نائبة رئيس حزب "جراند ناشيونال" المعارض.
وتشير بارك الى ان تقييم فترة ولاية والدها الرئيسية "على نحو سلبي" كان له تأثير جزئي في دفعها الى العودة الى المعترك السياسي. اذ شهدت كوريا في عهد بارك تشنج هي، تطورا اقتصاديا سريعا، وتطبيعا للعلاقات مع اليابان، كما دشنت اول حوار رسمي مع كوريا الشمالية الذي تمخضت عنه اتفاقية عام 1972 المهمة في التحرك نحو المصالحة بين البلدين.
غير انه في ذاكرة الكثيرين يظل ديكتاتورا في الاساس، اذ قام بسحق الديمقراطية وانتهك حقوق الانسان. ويقر لي دونج بوك الذي شارك في المفاوضات مع كوريا الشمالية والاستاذ في جامعة ميونجي قائلا: "من الحقائق التاريخية ان بارك تشنج هي لعب دورا كبيرا في تحقيق نمو اقتصادي كبير، ولكن هناك حقيقة اخرى لا يمكن انكارها هي انه كان ديكتاتورا مستبدا انتهك الكثير من حقوق الانسان".
وتحظى بارك جوين هاي بشعبية كبيرة في بعض المناطق الكورية بسبب الارتباطات العائلية والاقليمية. غير ان البعض يحذر من انها ان ارادت الفوز في الانتخابات المقبلة فان عليها تمييز نفسها عن والدها. فكثير من الناخبين يشعرون بالاستياء تجاهه، اما الجيل الجديد فانه بالكاد يتذكره. ويقول لي كيونج هي رئيس تحرير صحيفة "كوريا هيرالد": "ان بارك تحتاج الى تحديد دور جديد لها بدل الاعتماد على ارث والدها، اذ عانى الكثيرون تحت حكمه، خاصة ابناء جيلها". ويضيف: "انها على دراية بالسياسة اكثر بكثير من غيرها، ولكنها لم تشتغل كثيرا بالسياسة".
وما من شك في ان بروز رئيسة، لم تتزوج من قبل، في كوريا سيكون رمزا كبيرا للتحولات التي يمر بها هذا المجتمع الذي يهيمن عليه الرجال تقليديا. ويعلق لي سوك مدير احد برامج مؤسسة آسيا في كوريا قائلا: "قبل عشر سنوات، حتى النساء لم يكن يدلين بأصواتهن لنساء.. وحتى اليوم هناك الكثيرون الذين يميلون الى الاعتقاد بان السياسة للرجال وان على النساء البقاء في البيت".
وتقول بارك انها ستطالب كوريا الشمالية بمزيد من اجراءات المحاسبة والشفافية، كما ستعمل على اعادة هيكلة المؤسسات والشركات وتقليل العوائق التجارية وتعمل على زيادة المنافسة، لكن "ليس دفعة واحدة، كما فعل الرئيس كيم وتسبب في اثارة بلبلة في صفوف العمال". وافتر ثغرها عن ابتسامة فبدت اسنانها الصغيرة البيضاء وهي تشير الى ان الناس يقولون لها بانها تشبه والدتها في الشكل، اما عن شخصيتها السياسية؟ فانها تتطابق مع الوالد.(الشرق الأوسط)
&