&
القاهرة- ايلاف: إثر صدور فتوى من أحد العلماء السلفيين ، كان قد اعتبر فيها أن العمليات الاستشهادية في فلسطين "محرمة شرعاً" على اعتبار أنه ينطبق عليها الحكم الشرعي للانتحار ، وإيراد النفس موارد التهلكة ، بالنظر إلى ضعف عدة الفلسطينيين وعتادهم قياساً بما يملكه جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي ، فقد وجه مصطفى مشهور المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين نداء لعلماء المسلمين طالبهم فيه بضرورة اتخاذ ما وصفه بـ "موقف جهادي" حيال انتهاكات إسرائيل واعتداءات جيشها على الفلسطينيين، وانتهز فرصة هذا البيان الذي تلقت (إيلاف) نسخة منه ، ليحدد من خلاله برنامج عمل الجماعة الأصولية الأقدم وحرض على القيام بكل عمليات المقاومة ضد القوات الإسرائيلية ، من خلال "الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال" ، مشيراً إلى أن "الشهادة شرف وأمل ينبغي الحرص عليه والتطلع إليه" ، في رفض صريح للفتوى السلفية التي أثارت جدلاً واسعاً ولم تزل ليس في أوساط& الإسلاميين وحدهم ، بل تجاوزتها لكافة الأطراف ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ، وأصدر ضدها شيخ الأزهر ومفتي مصر وعدد من قادة المنظمات الإسلامية فتاوى تستنكرها ، لكن الجديد هذه المرة أن جماعة الإخوان المسلمين ذات الثقل السياسي ، والرؤى المتسقة تقليدياً مع العلماء السلفيين ، تصدر هذا البيان التحريضي لتطالب فيه على لسان مرشدها العام للمرة الأولى صراحة بدعم ومؤازرة العمليات الإستشهادية ، وتدحض فيه فتوى لأحد علماء السلفية جملة وتفصيلا .
دور تحريضي
واستهل مرشد الإخوان المسلمين بيانه متوجهاً لعلماء المسلمين بقوله : "لا يخفى عليكم ما يتعرض له أهلنا المسلمون فى فلسطين من قتل لجميع الفئات ، وحصار وتجويع، وتدمير للمنازل ، وتجريف للمزارع ، واعتقال وتعذيب ، حتى غدت حياتهم نكبات في نكبات منذ أوائل القرن الماضي وحتى الآن ، ولا يخفى عليكم أيضا ما تتعرض له دولة فلسطين (الوقف الإسلامي) من اغتصاب وتهويد وما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك من هدم وتقويض لبناء الهيكل المزعوم مكانه ، وقد بدأت خطوات التنفيذ في تبجح، كل هذا يضع في أعناقكم مسئولية جسيمة ، أنتم بإذن الله أهل لها ، وذلك بحكم :
- علمكم أن أمة المسلمين أمة واحدة وأن مسئولية قضاياهم عامة أنى كانت ، وأن واجب النصرة شامل (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله) (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم) ومن ثم كانت قضية فلسطين الأرض - الإنسان - المقدسات - قضية المسلمين جميعا من أقصى الأرض إلى أقصاها
- علمكم بطبيعة اليهود وغدرهم ومكرهم وعنصريتهم الدموية الإرهابية وماديتهم وسعيهم للإفساد في الأرض والتسلط على الناس وأطماعهم للاستيلاء ليس على فلسطين وحدها وطرد أهلها جميعا منها بل لإقامة مملكة تمتد من النيل إلى الفرات على أشلاء المسلمين والمسيحيين في المنطقة، وكيف أن طبيعتهم وسلوكهم هذا ليس وليد هذا الجيل وإنما هو جبلة لهم مع أنبيائهم ومع نبينا ، ومع كافة الأمم التي عاشوا بينها عبر التاريخ.
- علمكم بالواقع البائس الذي يعيشه أهل فلسطين وسيل الدم النازف كل يوم ، لم يسلم منه الأطفال الرضع ولا الشيوخ العجزة ولا النساء الضعاف ، وأرواح الشهداء الصاعدة تشكو إلى الله ظلم الصهاينة وتآمر الغرب وخذلان المسلمين .
- علمكم بالواجب الشرعي إزاء هذا الواقع وهو الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ..) وأن الشهادة شرف وأمل ينبغي الحرص عليه والتطلع إليه (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) وأن المسلم إما أن يعيش عزيزا أو يموت شهيدا .
وتطرق مرشد الإخوان المسلمين في بيانه إلى الربط بين عمليات التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار، ودور علماء الإسلام ، والحركات الإسلامية فيها ، بقوله مخاطباً العلماء :
"ولا أخالني بحاجة إلى تذكيركم بأن أسلافكم كانوا قادة الجهاد بالكلمة والعلم والتحميس في كل معارك التحرير التى خاضتها الأمة الإسلامية بل بحمل السلاح فى بعض الأحيان ، فابن تيمية كان محرض الجيوش ضد التتار ، كما كان العز بن عبد السلام صاحب دور عظيم في تسيير الجيوش ضد التتار ، كما يسجل للأزهر الشريف وعلماؤه الذين كانوا قادة الثورتين ضد الحملة الفرنسية ، وضد الاستعمار البريطاني ، ودورهم في التصدي للغزاة وللظالمين ، كما كان للمهدى دوره العظيم في السودان ، وابن باديس وجمعية العلماء في الجزائر ، والسنوسية في ليبيا وعز الدين القسام وأمين الحسيني في فلسطين ، وهذه مجرد أمثلة للذكرى" .
واستند مرشد الإخوان إلى الدور التحريضي للحاخامات في تأجيج مشاعر العداء ضد الفلسطينيين ، مطالباً علماء المسلمين بتكريس الدافع العقائدي في مواجهة إسرائيل بقوله :
"وأيضا لا أحسبني بحاجة إلى التذكير بما يقوم به حاخامات الصهاينة من تكريس للعنصرية والكراهية وحض على القتل وسفك الدماء وتحريض ودفع القيادات العسكرية والسياسية فى الكيان الغاصب على الظلم والنهب وتصفية شعب بأسره أو طرده من أرضه ، وهم يصدرون في ذلك عن عقيدة محرفة ضالة فما البال حين تحركون الأمة عن عقيدة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها" .
برنامج عمل
وانتهز مرشد الإخوان الفرصة ليمرر من خلال بيانه هذا ، ما يمكن اعتباره "برنامج عمل" للجماعة الأصولية الأقدم والأكبر في العالم العربي ، إذ اقترح على العلماء تبني ما يلي :
* مطالبة المسلمين حكاما ومحكومين بتطبيق الإسلام وتحكيم شريعته لتقديم نموذج يكون داعيا إلى الإسلام بلسان الحال ، فالعالم الآن أحوج ما يكون إلى الإسلام يوازن بين الحضارة المادية والروحية ، المصلحة والأخلاق ، الدنيا والآخرة .
* أن تجهروا بكلمة الشرع وموقفه تبصيرا للأمة بأخطار وتداعيات الحاضر والواقع المأساوي وإلزاما لحكامها بالمسئوليات والأمانات ونبذ الخلافات والعمل على وحدة الصف والكلمة وتغليب المصلحة العامة على الخاصة وإفساح المجال للشعوب للمشاركة في القرار والتعبير عن غضبتها وواجبها في دعم الشعب الفلسطيني الشقيق بالمال والأرواح .
* أن تقوموا بتوعية المسلمين جميعا بالحقائق التي أسلفناها بكل الوسائل الممكنة .
* أن تتداعوا أصحاب الفضيلة إلى مؤتمر عام لكل علماء المسلمين لمناقشة أبعاد الخطر الذي يهدد فلسطين والمسجد الأقصى والشعب الفلسطيني بروية وهدوء وإعمال فكر .
* أن ينبثق عن هذا المؤتمر وفد من كبار العلماء في العالم الإسلامي للقاء حكامه والتذكير بالواجبات تجاه القضية ، وحضهم على إعداد العدة للجهاد بكل الوسائل ، وتربية الشعوب على الرجولة والجدية والمبادئ والأخلاق ، وعلى اتخاذ موقف موحد من الدول التي تدعم العدو الصهيوني يضر بمصالحها على مستوى العالم الإسلامي كله ، والتعاون في مجالات التسلح لإنتاج أسلحة الردع للدفاع وليس للعدوان والتدمير .
* أن يطالب هذا الوفد الحكام بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك ، وتفعيل قرارات القمة 2000 والقمة 2001 الخاصة بقطع العلاقات مع العدو الصهيوني ورفض التطبيع ومقاطعته وإحكام الحصار حوله ، وتنفيذ قرارات دعم الانتفاضة والقدس .
* أن يخاطب هذا الوفد الشعوب الإسلامية طالبا منها التبرع بالمال بمعاونة أهل فلسطين ومقاطعة الدول التي تؤيد الكيان الصهيوني اقتصاديا .