&
بيروت- جوزيف عبود:& تلقت حكومة الرئيس رفيق الحريري في الايام الاخيرة سلسلة من الضربات دفعت بالحريري الى القول صراحة ان لا احد يتمنى ان يكون رئيس حكومة في هذا الجو، في اشارة الى بلوغ الازمة درجة كبيرة من التعقيد والتشابك.
وبدأت الازمة مع اعتقالات نفذها الجيش من دون علم الحكومة ثم جاء تعديل اصول المحاكمات الجزائية من قبل مجلس النواب كاحراج جديد للحكومة التي اعلنت في اكثر من مناسبة حرصها على الحريات العامة في البلاد. علما ان القانون الجديد الذي يوسع صلاحية القضاء في مرحلة التحقيقات الاولية ويمدد التوقيف الاحتياطي الى اربعة ايام سبق ان رفضه مجلس النواب ثم عاد فاقره في ما اعتبر اكبر مخالفة لاصول التشريع والقانون، وذلك رغم ما رافق الاعتقالات في صفوف الطلاب من تجاوز للنظام والدستور ومطالبة المعارضة بمحاسبة المسؤولين عن التجاوزات.
ولعل الكلام الذي اطلقه الرئيس السوري بشار الاسد واعلن فيه الدعم المطلق لرئيس الجمهورية اميل لحود وقيادة الجيش ما ينبىء بمعركة مفتوحة مع الحكومة اولا ومع المعارضة ثانيا. وجاء موقف دمشق الحاسم بتاييد لحود والجيش فيما كان نواب المعارضة يشنون اقوى الحملات على الاجهزة الامنية ويتهمون لحود مباشرة بالوقوف وراءها. وبراي المراقبين فان موقف دمشق من شانه ان يزيد الامور تعقيدا ويفتح فصولا جديدة من الازمة خصوصا وان هذا الموقف يتناقض مع المواقف السابقة من ان دمشق تقف على مسافة واحدة من كل اللبنانيين.
ولا شك ان لجوء المعارضة الى التصعيد سيضعها الان في مواجهة مباشرة مع رئاسة البلاد والجيش ومعهما بطريقة غير مباشرة الحكومة ومجلس النواب، مما يدخل البلاد في اكبر اكبر انقسام تعرفه منذ انتهاء الحرب وتوحيد الجيش وحل المليشيات.
وسط هذه الاجواء المشحونة يبدو وضع الحكومة الاصعب. وهي وان كانت تتجنب "ادخال البلد في مشاكل بغنى عنها" وفق ما اعلن الحريري، فانها تغامر بفقدان مصداقيتها وثقة اللبنانيين بقدرتها على التاثير في الاحداث السياسية وبالتالي الاقتصادية. وعجز الحكومة او شل قدرتها على التحرك يعني وقوع البلاد في فراغ سياسي وشلل ينعكس على كل المؤسسات الادارية والحياتية. فالتطورات الحاصلة وجهت الى الحكومة اقسى ضربة معنوية واوقعت البلاد في ازمة حكم حقيقية. ولا يكفي هنا الهروب من الاستحقاق بل يجب مصارحة الشعب الى اين يمكن ان تؤدي هذه التناقضات السياسية والمخالفات القانونية والدستورية.
المعارضة قالت كلاما كبيرا وبحجم الاحداث الكبيرة التي شهدها لبنان وتهدده بالانزلاق الى الحكم العسكري. وبعد مجلس الوزراء كان دور مجلس النواب في اقرار قانون سبق له ان رفضه في تناقض واضح مع شعار رئيسه بان "المجلس سيد نفسه". وراى المراقبون في اقرار القانون انصياعا للسلطة التشريعية بعد السلطة التنفيذية لارادة القائمين على الحملة الامنية رغم بروز اصوات في السلطتين تعتبر الاجراءات الامنية بمثابة مصادرة للحريات وانتهاك لحقوق الانسان.
الدولة كلها اذا تقف في مواجهة المعارضة. ولكن الدولة تواجه المعارضة وهي مشرذمة ومترددة حيث ان بعض اركانها تولى تغطية الاجراءات الامنية عن غير اقتناع، في مقابل معارضة متماسكة وتتمتع بدعم الشارع والنقابات والعمال. وسلاح المعارضة التي تسعى الدولة الى عزلها قوي في ما تطرحه من مخاوف تطاول كافة شرائح المجتمع. فهي تحذر من انتهاك كرامات الناس ومن الحكم العسكري الاستبدادي والانقلاب على الحكم المدني ومن التنازل عن السيادة والقرار الحر، وهي كلها شعارات تلقى صدى واسعا واجماعا على التصدي لها بكل الوسائل.
جلسة عاصفة لمجلس النواب
&