&
الرؤساء عبد الناصر، السادات ومبارك
القاهرة- نبيل شرف الدين: رصدت دراسة مقارنة آليات صناعة القرار السياسي في مصر بين ثلاثة عهود ، منذ قيام ثورة تموز (يوليو) 1952 وحتى الآن ، حيث تناولت بالتحليل شخصيات الرؤساء الثلاثة الذين تعاقبوا على حكم مصر ومدى ارتباط عوامل الكاريزما والنشأة الاجتماعية والصفات الشخصية بهذه القرارات ‏واعتبرت أن الموقف المصري المحسوب بدقة حيال الغزو العراقي ضد الكويت كان أحد أهم القرارات ‏الرئاسية التي اتخذها مبارك على مدى العقود الأخيرة.
وخلص أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور صلاح بيومي، في دراسته التطبيقية إلى نتائج هامة، كان أبرزها أن الرئيس ‏المصري الأسبق جمال عبد الناصر شخصية جماهيرية، دعمتها كاريزما خاصة ميزته عن خليفتيه، بينما اتسم خلفه أنور السادات بالميل إلى العزلة والمكر والسرية، أما الرئيس الحالي حسني مبارك، فيتصف بالهدوء والبساطة والحذر في اتخاذ ‏القرار.
وأخضع الباحث في دراسته تسعة قرارات للرؤساء الثلاثة بواقع ثلاثة قرارات لكل ‏رئيس لعملية البحث معتمدا على القرارات التي شكلت منعطفات مهمة وعبرت بوضوح عن ‏فكر كل منهم. ‏ ‏
استهل الباحث دراسته برصد وتحليل آليات صناعة القرار لدى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر متناولاً نماذج من ثلاثة ‏قرارات ، في مقدمتها قرار تأميم قناة السويس عام 1956 ، ثم "قرارات يوليو الاشتراكية"‏ ‏عام 1961 ، وأخيراً قرار سحب قوات الطوارئ الدولية عام 1967 . ‏وكشفت الدراسة أن سمات الثائر كانت وراء قرار تأميم قناة السويس ، بينما عبرت "قرارات ‏يوليو الاشتراكية" بوضوح عن الجذور الاجتماعية لعبد الناصر وانحيازه إلى الطبقة ‏الوسطى التي نشأ في أسرة تنتمي إليها ، وكان طبيعياً أن تصب قرارته في اتجاه دعم مصالحها بوضوح.
وأشار الباحث إلى أن عبد الناصر تعرض لضغوط هائلة من دول أوروبا والولايات المتحدة& وحتى بعض الدول ‏العربية طيلة فترة حكمه ، موضحاً أن هذه الضغوط السياسية سببت له قلقاً بالغاً، دفعه في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار ‏سحب القوات الدولية عام 1967.
وانتهت الدراسة إلى أن عبد الناصر كان يتمتع بالذكاء وقوة الشخصية والحضور العام، فضلاً عن الصبر وتحمل المشاق ‏والقدرة على التنظيم، والسرية في التخطيط وبعد النظر، مما أكسبه في الإجمال شخصية كاريزمية، توحي ‏لمن حوله بما يرمي إليه، ولو لم يفصح عن مقاصده صراحة ، كما يجذب المحيطين به، والمتعاملين معه، دون الإخلال بهيبته واحترامه بينهم . ‏
أما الرئيس الراحل أنور السادات فقد أكدت الدراسة أنه كان أكثر الرؤساء المصريين تأثرا ‏بجذوره الاجتماعية ، فاتسامه بالسرية والدهاء والخشونة ، كانت عوامل لها دور واضح في ‏ اتخاذ ‏قرار حرب أكتوبر ، الذي كان يتطلب بلا شك إلى عمليات تمويه ومناورة وسرية لا مثيل لها، كما أنه اتخذ قرارات ‏أشبه بالصدمة الكهربائية كقرار زيارة القدس عام 1977 وغيره .
ومضى الباحث ليؤكد أن نشأة السادات الأولى في أسرة كبيرة العدد، حيث كانت تضم 21 فردا جعلته يميل إلى العزلة والالتفاف على الذات ، وهو الأمر الذي لعب دوراً جلياً في ‏قرارات معينة ومنها قرار تصفية مراكز القوى، والانفتاح الاقتصادي الذي لم يتم تطبيقه على النحو الأمثل .
وأخيراً تعرضت الدراسة لتحليل جذور آليات اتخاذ القرار التي حكمت السلوك السياسي للرئيس مبارك ، وقد اختار الباحث فضلاً عن قراره بشأن الغزو العراقي، قرارين آخرين ‏هما قرار الإفراج عن المعتقلين السياسيين في أيلول (سبتمبر) 1981، وقرار اللجوء إلى ‏التحكيم الدولي في قضية طابا عام 1986.
واعتبر الباحث قرار إدانة الغزو العراقي، بعد استنفاد وسائل إقناع صدام حسين، بالمبادرة إلى سحب قواته قبل التدخل الدولي، نموذجا للقرار الواضح والحاسم في تاريخ ‏مصر السياسي .
واستعرضت الدراسة 32 رسالة في هذا الشأن من مبارك إلى صدام قبل الحرب لتدلل على ‏أحد العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار إضافة إلى العوامل الاجتماعية والسمات ‏الشخصية للرئيس وهي في هذه الحالة "السلام والتروي والتسامح حتى مع المعارضين" ‏وفقا للدارسة . ‏ ‏
واعتبرت الدراسة أن جذور الرئيس مبارك وانتماءه الاجتماعي إلى الطبقة الوسطى انعكست بوضوح على قراراته السياسية، فجاء قرار الإفراج عن معتقلي سبتمبر لمد جسور التواصل الإيجابي مع القوى ‏الوطنية بمختلف توجهاتها، وحتى لا تتفاقم الأمور بعد اغتيال السادات .
وقالت الدراسة إن قرار مبارك باللجوء إلى التحكيم في قضية ‏طابا جاء معبرا عن انتمائه الوطني ورغبته في الحل السلمي بعيداً عن العنف لكنه ‏كان صارما عندما تلكأت إسرائيل في تنفيذ الحكم معلنا في بيان عنيف بأنه "إذا لم ‏ ‏يتم تنفيذ الحكم فان مصر ستتخذ موقفا لن يرضي إسرائيل" .