&
القاهرة- نبيل شرف الدين: في سيناريو يتجاوز كافة التوقعات، تواترت في مصر خلال أيام مضت أنباء عن تعديل وزاري وشيك يطال المجموعة الاقتصادية في الحكومة ، يأتي هذا في الوقت الذي أعلن فيه أن الرئيس المصري حسني مبارك سيرأس اجتماع الحكومة أول أيلول (سبتمبر) المقبل.
أما المفاجأة التي تتداولها مصادر صحفية في مصر فتتمثل في ترشيح الرئيس مبارك شخصياً لرئاسة الحكومة، وتذهب المصادر ذاتها إلى أبعد من ذلك حين تؤكد أن هناك نية لتعيين نائب أول لرئيس الوزراء ، بحيث يكون مسئولاً عن تمثيل الحكومة أمام البرلمان ، حيث يعرض عليه برنامجها السنوي ، كما طالت الشائعات أسماء عدد من نواب رئيس الوزراء ، والوزراء في الحكومة الجديدة المحتملة .
وتفسر المصادر اعتزام مبارك تولي رئاسة الحكومة استناداً إلى عدة اعتبارات منها فض الاشتباك داخل أوساط الحكومة خاصة في المجموعة الاقتصادية التي بدأت تتبادل في ما بينها اتهامات تتعلق بالمعالجات الفاشلة للأزمة الاقتصادية التي صارت محل انتقادات واسعة سواء في البرلمان المصري أو على صفحات الصحف ، لا سيما بعد فشل الحكومة في الوصول إلى حلول لأزمة سعر الصرف تحافظ على قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأمر الذي أدى إلى انهيار سعر العملة الوطنية وخفض قيمتها بنسبة بلغت نحو 23% ويعزو المراقبون سبب التغيير المتوقع إلى عدة أسباب منها تصاعد الصدام بين الحكومة والبرلمان في ضوء ترتيب عدد من نواب البرلمان من المعارضة والحزب الحاكم لطرح الثقة بالحكومة وحملها على الاستقالة ، الأمر الذي لم تألفه الحكومات المصرية السابقة .
ولم يكن الصدام بين الحكومة والبرلمان هو الوحيد من نوعه ، فقد تزامن مع هجمة صحفية شرسة قادها كبار الصحفيين المحسوبين على النظام ، وعبر صفحات الصحف الحكومية ، حيث وجهوا انتقادات حادة لعدد من الوزراء ، اتهموهم فيها بضعف الأداء والمسئولية عن الركود والكساد والأزمة الاقتصادية ، ومن أبرز هؤلاء الوزراء الذين طالتهم الحملات الصحفية الدكتور أحمد الدرش وزير التخطيط والتعاون الدولي والدكتور مصطفى الرفاعي وزير الصناعة والدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم.
برلمان وصحافة
على صعيد ذي صلة فقد تبلور للمرة الأولى تحالف برلماني جديد في البرلمان المصري ضم نواباً من عدة اتجاهات وقعوا على قائمة طالبوا فيها بإجراء تعديل وزاري بإقالة الحكومة التي اعتبرها النواب قد تخاذلت في التعاطي مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة .
وأوضحت القائمة ان حكومة الدكتور عاطف عبيد، تراجعت عن الوعود الخاصة بتعيين الخريجين، ولوح النواب في عريضة الاتهام الموجهة الى الحكومة التي قرروا تقديمها الى قيادة البرلمان بالتهديد باستخدام حقهم الدستوري في اسقاط الحكومة وسحب الثقة منها من خلال التوقيع على طلب بذلك مستوف الشروط بتوقيع 45 نائبا على الاقل وهو ما يمثل عشر عدد أعضاء البرلمان، وهو العدد المطلوب طبقا للدستور.
وأشارت الاتهامات أيضا الى انهيار قيمة الجنيه المصري في مواجهة سعر صرف الدولار. مما دفع الحكومة الى زيادة سعر الدولار لتغطية هزيمتها امام تلك الضغوط، ومحاولتها الهروب من نفس المأزق الذي تعرضت له حكومة الدكتور كمال الجنزوري السابقة
طرح البنك المركزي المصري، وخلال ثلاثة أيام من إعلان سعر الصرف الجديد ثلاثمائة وخمسين مليون دولارا في السوق، من أصل خمسمائة مليون وعد بطرحها.
وتسابقت الصحف الحكومية في كيل الثناء للخطوات الجديدة، التي أنقذت الاقتصاد وقطعت الطريق على المحتكرين وتجار العملة، الذين هم السبب وراء الأزمة وليس عثرات الحكومة، وارتباكها في التعاطي مع الأزمة ، وغض الجميع الطرف لترقب ما سيأتي، مع أن ما سيأتي معروف حتى لكتاب ومحللي اقتصاد الصحف الحكومية، التي تشارك في عملية تجميل القرارات الجديدة، والتي يصفها المراقبون بأنها لا تعدو كونها قرص مسكن في علاج الرئة ، واعتبر محللون أن الحكومات المصرية المتعاقبة رضيت الانفتاح الاقتصادي، وحرية التجارة، وسيطرة آليات السوق منهجا، لكنها اعتبرت أن هذه السياسة مجرد قرارات تصدرها ثم تجلس بانتظار نتائجها ، ولم تتعامل معها على أنها نهج جديد يحتاج إلى رؤية وأداء مكثف حتى تستطيع ضبطها، بما يضمن للاقتصاد السيطرة على العجز التجاري، ضمن سياسة التجارة الحرة، وليس من خلال قرارات سيادية تتعارض مع المنهج ذاته.
ويقول خبير اقتصادي بارز أنه من الطبيعي في هذه الأحوال أن تقدم الحكومة حلولا للمشاكل التجارية والصناعية كأن تدعم الصناعة الوطنية بما يضمن جودتها للمنافسة في الأسواق الداخلية ، حتى تحجب المستورد، فضلا عن قدرتها على التنافس في الأسواق العالمية، ثم يتساءل الخبير مستنكراً عما فعلته الحكومة في هذا الشأن ؟ .
ضبط الإيقاع
ويضرب الخبير مثلاً فيقول : لننظر إلى صناعة السيارات ، وهي سلعة تكلف الدولة القسط الأكبر من وارداتها من العملة الصعبة ، وتحقق في نفس الوقت أكبر نسبة من واردات الجمارك، إضافة إلى كونها صناعة متقدمة نسبيا فهي تمس جميع جوانب الاقتصاد .
نظريا ومع الأخذ بالاعتبار ما سيأتي مع تنفيذ اتفاقيات الجات كان على الدولة تشجيع هذه الصناعة وتشجيع صناعة مكوناتها، وكان الأهم هو تشجيع صناعة المكونات، لأن وصول صناعة السيارات المصرية إلى مستوى تنافسي في الأسواق العالمية مطلب صعب المنال في عشر سنوات، أو حتى عشرين سنة، والمطلب الأكثر واقعية هو دعم صناعة المكونات، التي تستطيع أن تصل إلى مستوى العالمية في هذه الفترة، ويكون لدى مصر ما تصدره لهذه الصناعة في مقابل ما تستورده من سيارات مصنعة، ولهذا فقد أقرت الحكومة قانونا يمنح المصنعين المصريين خصما على جمارك السيارات المصنعة محليا يساوي نسبة ما يضعونه في صناعتهم من المكونات المحلية، إضافة إلى نسبة أخرى تضاف مقابل العمالة المحلية وتتراوح بين عشرة إلى خمسة عشر بالمائة، حسب نوع السيارة ، فما الذي حدث فعلا بعد أكثر من عشر سنوات على ازدهارها ، وماذا قدمت هذه الصناعة لمصر، بعد أن أخذت الكثير منها على شكل خصومات جمركية وإعفاءات ضريبية؟
ويمضي قائلاً : "بدأ صناع السيارات بشكل صحيح وقانوني لمعرفة مدى قدرة الحكومة على مراقبتهم، وعندما اكتشفوا أن الحكومة لا تفكر أصلا في هذه الرقابة، أصبحوا يستوردون قائمتين من المكونات لكل سيارة، قائمة تدخل على أنها مكونات سيارة وتمثل حوالي ستين بالمائة من هذه المكونات، تحصل على الخصم الجمركي المذكور، (والذي لا يقل عن مائة بالمائة من السعر)، وقائمة أخرى تدخل على أنها قطع غيار، وتدخل إلى البلاد باسم تجاري مختلف، وتدفع رسوما جمركية لا تتعدى الثلاثين بالمائة، ومضت صناعة السيارات معتمدة على هذا الفارق غير الشرعي، فلا تقدمت صناعة سيارات، ولا تقدمت صناعة مكوناتها ، وتكبدت الدولة بلايين الدولارات من دخلها الجمركي، لتذهب إلى جيوب أصحاب مصانع السيارات، الذين لا يعنيهم مستقبل صناعة السيارات" .
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن ما يسري على صناعة السيارات ينسحب على غيرها من الصناعات الأخرى، ، في الوقت الذي سمحت فيه الحكومة للوكلاء التجاريين باستيراد سلع تصنع محليا بمستوى جيد وسعر معقول، كالأثاث والملابس وغيرها ، قبل أن تطور هذه الصناعات المحلية بما يضمن منافستها، مما ألحق أضراراً بالصناعات المحلية الصغيرة
وأخيراً تستند المصادر في توقعاتها بإعادة هيكلة الحكومة إلى رغبة القيادة السياسية في ضبط إيقاع الأداء الحكومي المترهل ، عبر المتابعة الشخصية له ، بالقدر الذي يكفل تخليصه من نقاط الضعف فيه ، ومن خلال تنفيذ دقيق وصارم لتوجيهات مبارك ، كما يرى هؤلاء أن رئاسة مبارك للسلطة التنفيذية ، من شأنه أن يعيد الهيبة للحكومة المصرية في هذا التوقيت ، فضلاً عن كونه لا يصطدم بالدستور ، وله عدة سوابق مماثلة جرت إبان عهدي الرئيسين المصريين الراحلين عبد الناصر والسادات .