&
أجمعت مصادر عدة في عمان على ان العراق الذي زادت قيمة عائداته النفطية مؤخرا نجح بمهارة في تعزيز علاقاته مع الدول العربية وفي تجميل صورته أمام الجماهير العربية حيث يقدم نفسه على انه المدافع الرئيسي عن القضية الفلسطينية وعن الانتفاضة.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى مسؤول أردني طلب عدم ذكر اسمه ان الرئيس العراقي "صدام حسين يعد اليوم اكثر قوة من أي وقت مضى ولم تعد المحاولات الأميركية لعزله سوى مجرد سراب".
واضاف المسؤول نفسه ان صدام حسين "يستخدم جيدا ورقة الانتفاضة الفلسطينية من اجل زيادة شعبيته بين الجماهير العربية المتعطشة إلى شعارات قوية ضد إسرائيل والولايات المتحدة وكذلك من اجل كسر العزلة" التي يعاني منها العراق اثر فرض عقوبات دولية عليه نتيجة لغزوه للكويت عام 1990.
وهكذا فان صور صدام حسين ترفع دائما إلى جانب الإعلام العراقية خلال مختلف التظاهرات الفلسطينية وخلال مراسم دفن ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية.
وتؤكد بغداد أنها حشدت اكثر من ستة ملايين متطوع من اجل تحرير فلسطين كما تعهدت بتخصيص مليار يورو (نحو 915 مليون دولار) للفلسطينيين على ان تقتطع من عائدات العراق النفطية التي تسيطر عليها الأمم المتحدة.
ويرسل العراق بصورة منتظمة مساعدات مادية لعائلات ضحايا العمليات الانتحارية ضد إسرائيل و"شهداء" الانتفاضة الذين أمر صدام حسين بان يشيد لهم في بغداد نصبا تذكاريا تكريما لهم.
وبالتوازي مع ذلك، فان العراق الذي زادت قوته الشرائية مؤخرا عمل على تنمية علاقاته التجارية مع الدول العربية التي تواجه مشاكل اقتصادية والتي تعتبر السوق العراقية بمثابة "المنقذ" لها من هذه المشاكل.
ويخلص دبلوماسي غربي إلى القول بان "صدام حسين يقوم بدور "بابا نويل" مع كل من الشعوب والحكومات العربية التي أضحت تعتمد عليه اكثر فاكثر".
ونتيجة لذلك، عندما هدد صدام حسين بإغلاق السوق العراقية أمام الدول التي ستوافق على صيغة "العقوبات الذكية" التي كانت ترغب واشنطن ولندن في فرضها على بغداد مطلع هذا الصيف، نشأ إجماع، نادرا ما يسجل في العالم العربي، رافض لهذه العقوبات بل وسعى إلى إجهاضها.
غير ان التقارب العراقي العربي الذي لفت الأنظار بشدة كان ذلك الذي بدأ مؤخرا مع سوريا حيث قررت بغداد ودمشق رفع قيمة مبادلاتهما التجارية إلى مليار دولار سنويا بالرغم من ان علاقاتهما الدبلوماسية قطعت منذ العام 1980 ولم يتم إلى ألان تبادل السفراء بين العاصمتين.
وعلى اثر الزيارتين الأخيرتين التي قام بهما كل من رئيس الوزراء السوري محمد مصطفى ميرو إلى بغداد ونائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان إلى دمشق، لم تستبعد مصادر دبلوماسية عربية في عمان ان يقوم الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة لبغداد، ستصبح، إذا تمت، أول زيارة يقوم بها رئيس سوري للعاصمة العراقية منذ اكثر من 20 عاما.
وفي دلالة أخرى على هذا التقارب، كشف مسؤول أردني لوكالة الصحافة الفرنسية ان المسؤولين العراقيين تلقوا في الآونة الأخيرة تعليمات باستخدام سوريا كنقطة انطلاق لتحركاتهم الخارجية في الوقت الذي كانوا فيه يمرون دائما عبر الأردن عند الانتقال لخارج العراق منذ العام 1990.
واكد عضو بمجلس الأعيان الأردني ان صدام حسين يستخدم أيضا "أجهزته للاطلاع على تفاصيل الأوضاع الداخلية في الدول العربية ومعرفة نقاط ضعفها".
ويضيف ان هذا ما يحدث في الأردن حيث "يسعى صدام حسين إلى توسيع قواعده" في هذا البلد وهو ما يعد "أمرا خطيرا".
ولدى استقباله في 14 أيار (مايو) الماضي اثنين من رؤساء وزراء الأردن، طاهر المصري واحمد عبيدات، في عهد الملك الراحل حسين الذي توفى عام 1999، رحب بهما صدام حسين قائلا "أهلا بالحرس القديم".
واستخدمت الأوساط السياسية الأردنية تعبير "الحرس القديم"، اثر ارتقاء العاهل الأردني الشاب الملك عبد الله العرش، كتعبير يدل على انتهاء عهد شخصيات سياسية بارزة في عهد الملك حسين.
&وصرح المصري لوكالة الصحافة الفرنسية ان الرئيس العراقي كان يريد بتلك العبارة ان "يثبت لنا انه على اطلاع بخفايا الحياة السياسية الأردنية".
ويؤكد المصري الذي لم يكن التقى صدام حسين منذ العام 1988، لقد بدا الرئيس العراقي في ذلك اللقاء الأخير "واثقا من نفسه ومعنوياته مرتفعة كما لم يبد عليه أية علامة من علامات المرض أو التعب".
واشار المصري إلى ان اللقاء جرى في "منزل صغير يقع في إحدى ضواحي بغداد".
ويرى محلل سياسي انه "على الصعيد الداخلي فان صدام حسين الذي يسيطر على بلاده بيد من حديد لن يواجه أية مشكلات في المستقبل القريب من جانب المعارضة العراقية التي تفتقر إلى المصداقية".
(أ ف ب - رندا حبيب)