&
سالم صالح محمد
عضو مجلس الرئاسة اليمني السابق
إذا كانت المعاهدة السعودية - اليمنية وحل قضية الحدود بين البلدين الشقيقين أنهيا السبب الرئيسي لبقاء اليمن خارج اطار مجلس التعاون الخليجي، فما هي الموانع الحالية المتبقية التي تحول دون انضمام اليمن الي عضوية مجلس التعاون؟
منذ ان طرح المفكر والزعيم اليمني احمد محمد نعمان رؤيته في هذه القضية، في تلك الرسالة الشهيرة التي وجهها الي الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود قبل اكثر من ربع قرن وقبل تشكيل مجلس التعاون، والتي طلبت ان تشكل دول الجزيرة والخليج مجلساً لتنظيم شؤونها، يكون اليمنان عضوين فيه، ظلت مسألة دخول اليمن المجلس تراوح بين القبول اللفظي والرفض الرسمي الصامت تحت مبررات وأسباب بعضها له علاقة بطبيعة اختلاف النظم واحياناً بالمواقف السياسية المتباينة والمتضادة، واحياناً اخري ليس لها ما يبررها اذا ما أخذنا الارتباط الجغرافي والديني واللغوي الواحد، كذلك ارتباط المصالح المشتركة والمصير المشترك بين اليمــن واشقائــه.
في الآونة الأخيرة وبعدما تمكن البلدان الشقيقان من انهاء نزاع طويل وعسير استمر لأكثر من نصف قرن، استنزف طاقات وامكانات هائلة استفاد منه لا شك أعداء البلدين الذين دخلوا علي خط تسعير حال العداء والفرقة، جاءت هذه المعاهدة لتنهي هذه الحال المزمنة وتعيد الأمور الي طبيعتها بين البلدين. لذا عاد السؤال من جديد وتحت الحاح شعبي واسع النطاق: متي سيدخل اليمن مجلس التعاون الخليجي؟
سمعنا ردوداً رسمية مقتضبة وتعليقات صحافية كان أهمها ما كتبه بجرأة الكاتب السعودي الاستاذ داوود الشريان في صحيفة الحياة قبل اسابيع عدة ومطالبته بضرورة انضمام اليمن الي المجلس. وبعدها كتب عن ذلك وباستحياء عدد من الكتاب المهتمين بالشؤون اليمنية - السعودية الخليجية. الي هنا توقف الأمر، بينما تؤكد تطورات الأوضاع في اليمن ان محاولات جادة تبذلها كل الأطراف السياسية بما فيها الحكومة لمعالجة الأوضاع اليمنية لتتواءم مع الأوضاع المحيطة في الجزيرة والخليج، وبخاصة في ما يتعلق بتحرير السوق وتنفيذ شروط البنك الدولي وصندوق النقد علي رغم قسوتها واحاديتها باعتبارها شراً لا بد منه يقع علي عاتق الناس في اليمن وبخاصة الشرائح الاجتماعية الفقيرة التي تقدم تضحيات هائلة. اذ بلغ عدد السكان الذين هم تحت خط الفقر الي اكثر من 40 في المئة وارتفعت البطالة الي اكثر من 45 في المئة من مجموع القادرين علي العمل، واصبح الدولار الواحد يساوي 170 ريالاً ومتوسط دخل الفرد يقل عن دولار واحد في اليوم وبما لا يزيد علي 280 دولاراً في السنة.
مع كل هذه التضحية أمام نظام العولمة لا تزال الموقف الاميركي يراوح في محله حيث يري ان اليمن هو أحد معاقل الارهاب الدولي، ولا يزال الموقف الأوروبي متحفظاً امام تطبيق حقوق الانسان في اليمن. وهذه المواقف هي تقريباً ابرز الاسباب التي تدفع الدول الأخري الي عدم التعامل بجدية مع خطوات تبذلها السياسة الخارجية اليمنية، ومنها دخول اليمن مجلس التعاون الخليجي أو اتحاد الكومنولث، وهو ما ينعكس بالضرورة علي مسألة الاستثمار ومضايقة الجاليات اليمنية في عيشها ورزقها في أماكن تواجدها والحد من تحويلاتها واستثماراتها. يضاف الي هذه المصاعب عدم قدرة الحكومة علي استئصال أوجه الفساد في الداخل ومعالجة أثار حرب 1994، وتثبيت القانون والدستور كأساسين للتعامل بين المواطنين واحلال الأمن والاستقرار وردع العابثين بالامن الذين يجولون ويصولون داخل العاصمة صنعاء متحدين السلطة ورموزها ليس فقط في اختطاف السواح وابناء المسؤولين وانما وصل الأمر الي حد اختطاف الديبلوماسيين الاجانب وآخرهم الديبلوماسي الالماني الذي اختطفوه عنوة أثناء وجود رئيس الدولة في المانيا.
ان اليمن بحاجة الي مساعدة نفسه وهذا صحيح، ولكنه بحاجة الي مساعدة أشقائه ايضاً بالخطوات المدروسة والملموسة لجهة تغلبه علي المصاعب الاقتصادية الجمة والاجتماعية الكثيرة، ويأتي ذلك من خلال الاهتمام بقوته البشرية وموارده الطبيعية والتاريخية حيث لا يكفي التعاون الثنائي بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي فقط، أو الإطراء بإخلاص وتفان ابناء اليمن، فهذا لا يمنع ادارات الجوازات والهجرة في هذه البلدان من معاقبة المتخلفين عن المغادرة ولو ليوم واحد أو في عدم تسوية أوضاع الكفيل ولو لشهر واحد كما ان هذا الثناء لم يعد يسد رمق العيش أمام معضلات الواقع العنيد في اليمن.
ان يلتزم اليمن ببرنامج موائمة جادة وصادقة نعم، فذلك هو الطريق الصحيح نحو التكامل مع الآخرين ويقع علي الآخرين من اشقائنا وأصدقاء اليمن مساعدته علي حل مشاكله ومنها دخوله هذا المجلس الذي سيكتمل بنائه لكل أبناء الجزيرة والخليج العربي في إطار برنامج تأهيل واضح ومحدد أيضاً وهي خطوة جادة لتصحيح مسار العمل العربي المشترك التي تسعي الجامعة العربية بوضعها الراهن لايجاده، ذلك ما يتوافق مع مصالح الناس سواء في الخليج ومعظمهم قلق من التركيبة السكانية القائمة التي أوجدتها العمالة الأجنبية التي تشكل، علي سبيل المثال، في إحدي دول المجلس أكثر من 87 في المئة، ومع مصالح ونبضات الشارع اليمني والعربي الذي ينظر إلي أشقائه في الجزيرة والخليج أنهم القادرون علي مساعدته في الخروج من أزماته الاقتصادية والاجتماعية الحادة وفي مقدمها الفقر ومشتقاته التي لها هي الأخري انعكاسها الواضح علي المسلك السياسي العام ليس فقط علي النخب السياسية أكانت في السلطة أم في المعارضة، ولكن علي المستوي الاجتماعي حيث شهدت السنوات الأخيرة هبوطاً، بل سقوطاً مريعاً للفئات الوسطي في المجتمع اليمني إلي قاع الفئات الفقيرة، وهو ما شكل الضرر الفادح علي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن سد منابع الفقر هو سد لمنابع العنف والتطرف أيضاً.
كتب محمد الرميحي في صحيفة الحياة عدد 83041 - 22 آب (اغسطس) 1002: إلي أن ما ينقص اليمن هو تسويق قدراته الكامنة وما تحويه أرضه وما يستطيع إنسانه أن يقدم لأمته. كما أن تجاهل اليمن هو تفريط في إمكانات لو قدر لها التوظيف الأمثل لأصبح اليمن سعيداً بنفسه كما كان ولسعدت به أمته أيضاً .
اننا نشكر الرميحي علي هذه المشاعر الطيبة. وهذه المقالة المتواضعة هي محاولة متواضعة أيضاً لتسويق الموضوع من جديد لعل التطورات الايجابية التي نشأت بعد التقاربين اليمني - السعودي واليمني - العُماني اللذين أوجدتهما اتفاقات الحدود والدروس التي خرج بها اشقاؤنا في دول الخليج، وإعادة الروح إلي العلاقات اليمنية - الكويتية تساعد اليد الممدودة علي الإمساك بأيدي اخوتها في مواجهة تحديات هائلة لا تواجهها اليمن لوحدها، ولكن دول المنطقة والعالم العربي بشكل عام.
هي دعوة متواضعة نطلقها لعلها تصل إلي من بيدهم القرار السياسي في بلداننا فهم في مواقعهم ومسؤولياتهم الأقدر علي تحقيق آمال وطموحات الناس في أدني درجاتها وهو العيش الكريم في إطار تكامل عربي يراعي بدقة بين الخصوصية القطرية في ما لها وما عليها وحقوق الأمة بما لها وعليها أيضاً. (عن "الحياة" اللندنية)
&