&
&
إيلاف -بيروت : منذ شهور يصحو ناصر ابو ثابت البالغ من العمر عشر سنوات في منزله في الضفة الغربية غارقا في العرق البارد محدقا في ملابسه وصارخا لانه يعتقد انها مغطاة بالدماء. وكان التلميذ
الفلسطيني قد غطي بالدماء بالفعل في مايو الماضي عندما حوصر بين قتيلين قتلهما الجنود الاسرائيليون بالرصاص اثناء محاولتهم قمع الانتفاضة الفلسطينية.
وتقول والدة ناصر ان ابنها كان يقف بالقرب من نقطة قتال مع مجموعة من الاطفال الاخرين عندما استشهد احد اقاربه. وركض الصبي صوب الرجل ففوجيء بشهيد اخر يسقط فوقه وابلغت مخيم للاجئين بالقرب من نابلس "كل ليلة يصحو صارخا (امي ازيلي الدم) وهو يرتجف وتكون حرارته مرتفعة. وفي الصباح يلتصق بي ولا يكاد يتحدث".
وقالت سهاد الجابي رئيسة وحدة الاستشارات النفسية في جمعية المرأة العاملة الفلسطينية حيث يعالج ناصر "الحروب تسبب صدمات نفسية". وأضافت "لكن لان هذه الحرب تشن امام اعين الناس مباشرة وليس على جبهة قتال بعيدة فان اثارها تكون اقوى بشكل خاص".
والجمعية ليست هي المركز الوحيد الذي يقدم خدمة اعادة التأهيل النفسي في الضفة الغربية لكنها تضم العدد الاكبر من الاطباء النفسيين. كما انها كانت رائدة في بدء خدمة "الخط الساخن" بعد اندلاع الانتفاضة في سبتمبر الماضي.
ومرتادو المركز اغلبهم من الاطفال الذين لم يتمكنوا من التعايش مع العنف اليومي والجرحى من المقاتلين او المدنيين واسر فقدت احد افرادها في القتال.والكوابيس المتكررة والمخاوف الشديدة والانهيار العقلي من بين اكثر الاعراض شيوعا.
قبل الانتفاضة كان المركز يستقبل اقل من 300 حالة سنويا اغلبها لنساء يشكين من سوء معاملة الازواج. لكن الان لا يتمكن نحو 15 طبيبا نفسيا من متابعة حالات مئات المرضى الذين يتدفقون على المركز كل شهر وفي حصص الرسم في المركز يرسم الاطفال الصغار بقع دم واشكالا مطموسة الملامح للقتلى.
وعاش احمد عويس (سبع سنوات) وهو من قرية على مشارف نابلس حالة من الفزع من الذهاب الى المدرسة. فكان يكذب على امه ويدعي المرض او يخرج للتجول في الحقول المجاورة حتى يحين موعد عودته.
اتصلت امه اسماء صنوبر بالمركز وبعد اسابيع من العلاج اعترف احمد ان الجنود الاسرائيليين احتجزوه لان زملاءه كانوا يلقون الحجارة عليهم. وأضافت "لا نعلم حقيقة ما حدث لكن شيئا حدث بالتأكيد فهو يحلم انه يختنق حتى الموت.
ولم يذهب احمد الى المدرسة مرة اخرى الا بعد ان فتح القرويون طريقا اخر لها لا يمر بالجنود".
وينفي الجيش الاسرائيلي ان يكون جنوده يستهدفون الاطفال. واتهم بعض المسؤولين الاسرائيليين الفلسطينيين بتشجيع اطفالهم على الخروج للشوارع معرضين حياتهم للخطر لجذب تعاطف العالم. لكن الفلسطينيين ينفون ذلك.
ويشكو الاطفاء النفسيون في المركز انهم الى جانب العنف يتعين عليهم مواجهة معتقدات خاطئة سائدة بين الفلسطينيين منها ان من يتلقى العلاج النفسي يجلب العار على اسرته وان الخوف والحزن من مظاهر الضعف.
وقالت الجابي "الانتفاضة فتحت لنا ابوابا كثيرة لكن ماتزال هناك الكثير من العوائق". فبدلا من ان يحزن الفلسطينيون على عدنان الدويقات (21 عاما) اعتبروه شهيدا وهنأوا اسرته.
&