&
أقدمت الولايات المتحدة على تعيين مبعوث خاص من اجل السلام في السودان أمس الخميس لتسجل بذلك رغبتها في إعادة العلاقات مع بلد غني بالموارد النفطية بعد ان ظل منبوذا لفترة طويلة من قبل واشنطن.
فقد كلف الرئيس الأميركي جورج بوش جون دانفورث السناتور الجمهوري السابق عن ولاية ميسوري بمهمة ترمي إلى وضع حد للحرب الأهلية الدائرة منذ حوالي 18 سنة بين الحكومة المركزية الإسلامية والمتمردين في الجنوب ذي الغالبية المسيحية والارواحية.
ولم يخف بوش انطباعه بان المهمة تبدو "في منتهى الصعوبة" وحمل الحكومة السودانية المسؤولية الرئيسية في النزاع الذي أودى بحياة اكثر من مليون ونصف المليون شخص، ملمحا إلى ان الطريق لا تزال طويلة للتوصل إلى تطبيع كامل.
ورحبت حكومة الخرطوم وكذلك حركة المتمردين، الجيش الشعبي لتحرير السودان، بهذه المبادرة الأميركية حتى قبل إعلانها الرسمي، خصوصا وان خطوة واشنطن سترفق على ما يبدو بمساعدة إنسانية تقدر قيمتها بحوالي 30 مليون دولار.
وصرح وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل أمس ان تعيين دانفورث سيفتح صفحة جديدة في العلاقات الأميركية السودانية.
وقال للصحافيين قبيل إعلان الرئيس الأميركي عن مبادرته ان "الحكومة السودانية حريصة على ترك المبعوث الأميركي ليتعرف بحرية على الواقع والحقائق ووجهة نظر الحكومة في إطار من الشفافية"، مؤكدا ان "أية محاولة لتحقيق السلام وإيقاف الحرب هي هدف للحكومة".
ومن جهته قال ممثل الجيش الشعبي لتحرير السودان لدى الدول العربية جوركوج باراش "إذا كانت الولايات المتحدة تريد بذل جهود لتحقيق السلام فبإمكانها تحقيق تقدم لأنها القوة الوحيدة العظمى في العالم".
وهذه المبادرة قد يتبعها في وقت سريع رفع للعقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على السودان خلال الأسابيع المقبلة سيما وان الولايات المتحدة باتت مستعدة لعدم المطالبة بإبقائها بحسب دبلوماسيين في الأمم المتحدة.
وحول السؤال عن رفع العقوبات المفروضة على السودان منذ العام 1996، رد وزير الخارجية السوداني بقوله ان واشنطن "لم تقرر حتى اللحظة موقفها بشكل واضح".
وتعتبر الولايات المتحدة أيضا، كما يؤكد دبلوماسيون أميركيون في مجالس خاصة، ان نظام الخرطوم توقف عمليا عن مساندة الإرهاب الدولي بشكل نشط، وهو الانتقاد الرئيسي الذي توجهه واشنطن إلي الخرطوم فضلا عن انتهاكات حقوق الإنسان.
إلى ذلك يترجم تعيين دانفورث أيضا الاهتمام الشخصي الذي يوليه وزير الخارجية الأميركي كولن باول لهذا الملف بحيث جعل من السودان أحد المواضيع الرئيسية في محطاته في اوغندا وكينيا أثناء جولته الأفريقية في أيار (مايو) الماضي.
وكان باول قد أرسل إشارات ضمنية إلى الحكم في الخرطوم عبر إعلانه خصوصا عن مساعدة إنسانية أميركية مخصصة للجنوب حيث تنشط حركة المتمردين ولكن أيضا إلى الشمال المسلم الخاضع لسلطة الحكومة والذي يعاني من الجفاف.
لكن وخلافا لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلن اولبرايت رفض باول لقاء زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان العقيد جون قرنق نائيا بنفسه كما يبدو عن هذه الحركة.
يبقى ان الاعتبارات الاقتصادية ألقت بثقلها أيضا في القرار الأميركي لإحداث انفراج في العلاقات مع بلد غني بالموارد النفطية وحيث بدأت شركات أوروبية وآسيوية أو كندية القيام بنشاطات على حساب منافساتها الأميركية.
إلا ان احتمال القيام باستثمارات أميركية في السودان يصطدم في الولايات المتحدة بمعارضة قوية يقودها ائتلاف يجمع بين فئات متنوعة ابتداء من التيار المحافظ المتشدد في اليمين المسيحي وبرلمانيين من السود في الكونغرس وصولا إلى عدد من المنظمات الإنسانية.
وتدعو جماعة الضغط هذه منذ اشهر إلى دور أميركي اكبر في السعي إلى السلام ولكنها ناشطة جدا كذلك في الكونغرس لفرض عقوبات اقتصادية مشددة على السودان.
ويبدو ان الرئيس بوش حرص على الرد على هذا القلق باستخدام لهجة قاسية حيال نظام الخرطوم أمس إذ حمله مسؤولية الحرب واتهمه بخوض "حرب أهلية همجية ومشينة على شعبه منذ قرابة 20 سنة".
وعلى اثر هذه الانتقادات قال وزير الخارجية السوداني كما نقلت عنه وكالة الأنباء السودانية أمس الخميس ان "تعاون الحكومة مع المبعوث (الأميركي) سيرتبط بمدى حياديته وحيادية الإدارة الأميركية"، مضيفا "من السابق لأوانه العطاء تقييم لمدى نجاح هذه المهمة حيث إننا ما زلنا في طور الدراسة وتجميع المعلومات" حول المهمة.
(أ ف ب - كريستوف دو روكفوي)