هذا موسم التباري من أجل جائزة نوبل. الزاهدون بها منشغلون بإبداعهم، والساعون اليها يفعلون ما بوسعهم لجذب الأضواء الى إبداعهم. ثمة نوع ثالث يفوق هؤلاء الساعين: انهم الزاحفون الى نوبل زحفا !
الصحافة الثقافية السويدية باب من أبواب الدخول الى دائرة انتباه لجنة جائزة نوبل، أو هكذا على الأقل يتصور بعض الطامحين الى نيل الجائزة. وهي (الصحافة) تزيد اهتمام القراء وتوقعاتهم اشتعالا حول: من الفائز بنوبل هذه السنة؟ في هذا السياق، وقبل أيام من إعلان الفائز بالجائزة، نشر الملحق الثقافي لصحيفة سفينسكا داغ بلادت الصادرة في ستوكهولم ليوم 9 أكتوبر الجاري مقابلة مع الشاعر العربي أدونيس منحته من النقاط بعين القارئ العادي الأوروربي بقدر ما أسقطت منه بعين القارئ العربي. لقد نسي أدونيس في هذه المقابلة مكانته الهامة في الشعرية العربية وحاول الفوز بمكانة عالمية عن طريق التضحية بالأولى. كان عليه أن يؤمن بموهبته وبقدراته الإبداعية والفكرية وبأنها وحدها التي تجعله جديرا بالمكانة العالمية، دون حاجة لجائزة هي دعائية أكثر منها أي وصف آخر. لقد بدا أدونيس في هذا اللقاء وكأنه لا يسعى الى نوبل فقط وإنما يزحف اليها على ركبتيه. ولا ندري إن كان له دور متعمد في رسم هذه الصورة المؤسفة أم انها بادرة من الصحفية التي أجرت اللقاء؛ فقد كان واضحا أنه أريد من المقابلة، توقيتا ومحتوى، أن تكون تقديما معتنى به لهذا الشاعر أمام لجنة نوبل، فجاءت محتويات هذا التقديم كما يلي:
* تصريح أدونيس في بداية المقابلة بأنه صوفي وثني !
* النأي بنفسه عن كل دين، باعتبار ان عصرالأديان قد ولى، فـ " إما أن نكف عن أن نكون متدينين أو أن نفسر الدين بشكل أخر، مختلف تماما" (من نص المقابلة. الترجمة مني ـ س.)
* النأي بنفسه عن ـ وتقريبا التبرؤ من ـ كل العرب والمسلمين، حتى الذين في أوروبا، فهو " لا يتصل بالعامّة " كما يقول بتكبر يوكّده بالقول : " أعرف عددا من المثقفين، لكن ليس من المسلمين أو العرب" (!!). ثم يقدم لائحة البراءة التالية وكأنه متهم بالتخلف يقف إزاء محكمة حداثية: " أنا مضاد للتقاليد. لا أزور جامعاً، لست عضوا في أي تنظيم. علاقاتي هي غالبا مع فنانين وهم ليسوا كثيرين على أي حال، ثم إن بالإمكان القول أنهم ينتمون الى الثقافة الفرنسية والأوروبية أكثر من العربية، مع أنهم عرب".
* تجنب ذكر القضية الفلسطينية، وحين سألته الصحفية عن رأيه بالموقف في المنطقة العربية كان عالي الصوت وهو ينتقد المجتمعات وأنظمة الحكم العربية، أخرَسَه في ما يخص فلسطين رغم حضورها الفاعل في كل مشاكل المنطقة، فلم يذكر كلمة واحدة عن ذلك، ما يقوي الشك بأن كل القصد من وراء هذه المقابلة هو كسب رضى لجنة جائزة نوبل، المعروف اتجاهها المشبوه في هذا الخصوص.
وتسألني بربك من الذي يوَكّد في عقول الإستشراقيين استشراقهم؟ ـ إنهم مثقفونا أنفسهم. هؤلاء الذين، من أجل الجوائز والإعتبار من الغرب، لا يجدون ما يدللون به على تقدمهم الثقافي غير إعلان احتقارهم لقومهم جنسا ودينا وثقافة، وتنزيه الغرب من كل سوء. لكن أدونيس يوقع نفسه في فخ منطقي عندما ينتقد الغرب على دعمه لحكام طغاة في العالم العربي وفي الوقت عينه يفخر بانتمائه الثقافي الى هذا الغرب لا الى أصله العربي، بمعنى انتماءه الى داعمي طغاة بلده !
يبدو أن محررة المقابلة قد استوقفها نفس التكبر على الناس لدى أدونيس فسألته إن كان يصنف نفسه من البورجوازيين البوهيميين، يحاول أدونيس ترقيع الأمر فيتخبط قائلا أنه "بورجوازي بروليتاري" ! صورة هزلية مؤسفة لشاعر طالما أمتعنا بإبداعه وتجديده.
لكن علام كل هذا التهافت؟ لماذا يحدثنا أدونيس بالعربية عن حبه للعرب ناسا ولغة وعشقا وروحا، ويحدثهم بالفرنسية عن اشمئزازه من العرب ودينهم وتقاليدهم؟ لماذا ينشر بالعربية قصيدته المهداة الى الدم الفلسطيني، ويتجاهل ذكرهذا الدم بالفرنسية في أثناء حديثه عن هموم المنطقة العربية؟
عندما رفض سارتر جائزة نوبل أوضح بأنه عندما سيقدم على تأييد قضية كقضية فييتنام مثلا فإن موقفه سيكون أقوى بوصفه الكاتب الذي رفض جائزة نوبل، منه لو أنه الكاتب الذي قبلها. ليت صاحبنا الوثني يفهم هذا !

سمير طاهر
[email protected]