الإصلاح من المنظور الرسمى للقيادة المصرية هو مجرد محاولات رمزية وشكلية تبذلها الحكومة لتهدئة مشاعر الشعب الغاضب المغلوب على أمره الغارق فى بحار من المشاكل، ويعمل إعلام الحكومة على تخصيص عناوين رئيسية فى الصحف والتلفزيون عن خطط الحكومة الإصلاحية والمشروعات الإنمائية فى كافة المجالات من خطط خمسية وعشرية ومئوية وإصلاح مؤسسات الدولة والضرب بأيدى من حديد على الفساد والفاسدين، وتحسين الأوضاع المعيشية لمحدودى الدخل والعمل على زيادة أجورهم لتحقيق الرفاهية والأمن لكل مواطن.
لكن ظهر واضحاً خلال الفترة الأخيرة مدى عمق الهوة التى تفصل بين الطبقة السياسية وأصوات المعارضة وبين الشعب المصرى الذى أصبح فى مقعد المتفرجين يشاهد مبارة عقيمة بين الرئاسة المصرية وأحزاب وجماعات المعارضة، لذلك بدا واضحاً أن الشعب المصرى غير مقتنع بما تردده أصوات المعارضة عن الإصلاح والدليل ما رأيناه من خروج مظاهرات تنتمى إلى تيارات دينية وأخرى سياسية غير مؤمن بها الشعب لذلك كانت تلك المظاهرات تعبير عمن ينتمون إليها فقط سواء إنتماء دينى أو سياسى ولم تكن بالحجم الذى يمكن أن نقارنه بتعداد السكان المصرى.
أن الشعب المصرى يتجاهل كل هذه التظاهرات والأصوات لأنها لا تعبر عن مشاكله وأصحابها لا يشاركون فعلياً تلك الجماهير فى مشاكلهم وهمومهم اليومية، بل أن الغالبية من الشعب المصرى على ثقة بأن نار النظام الحالى أفضل من جنة الوهابيين والنفعيين الذين ينتشرون فى أحزاب المعارضة والذين يسعون إلى كراسى الحكم بإطلاق الشعارات الدينية والحماسية التى أكتشف المواطن المصرى البسيط أنها شعارات زائفة خلقت الفتنة والعنصرية بين المواطنين ولا مكان لها فى واقعنا المعاصر.
وسط النظام السياسى وأصوات المعارضة المختلفة تضيع أحلام المواطن المصرى بالحصول على " لقمة عيش هنية " ويشعر بخيبة الأمل من كثرة الوعود التنموية والإصلاحية التى تضيع بين أقدام وزراء سابقين وحاضرين ومؤسسات تقودها أفكار وثقافة هدامة لا تنتمى لحضارة شعب مصر وهى ثقافة الوهابيين التى أمتدت جذورها فى المؤسسات الرئاسية والإعلامية والاقتصادية والتعليمية والإجتماعية والحكومية حتى سأم المواطن المصرى محاولات الأبتزاز السياسى والدينى التى أغرقته بشعارات لا طائل منها، وأصبح يردد بشئ من الهيافة " إللى نعرفه أفضل من إللى ما نعرفوش ".
ومشاعر خيبة الأمل لدى المواطن المصرى لا يخفيها ولا تخفيها السياسات المستمرة الخاطئة للحكومات المتعاقبة التى جعلت مصر تتقهقر فى إنتاج القطن مثلاً ويأتى ترتيبها فى الإنتاج بعد سوريا، مما أدى إلى إنهيار صناعة النسيح المصرية التى أصبحت علامة من علامات فشل الإنجازات المزعومة والتى يتستر عليها إعلام السلطة الأبدية ولم يتجرأ أحد على أستجواب الحكومات المتعاقبة على أستمرار هذا الفشل، وإنتاج القمح واضح للجميع نتائجه السلبية على المجتمع الذى يعانى يومياً فى طوابير لا تنتهى إلا بأنتهاء مخزون الدقيق لدى المخابز بالرغم من آلاف الأطنان التى تستوردها مصر سنوياً.
من أسوأ الأمور أن يشعر المنادين بالإصلاح الحقيقى بتجاهل المجتمع لأفكارهم وحجب الدولة نفسها تلك الأفكار الإصلاحية عن الشعب بحجة مخالفتها للثوابت الدينية والوطنية، فإذا كانت محاولات الإصلاح هى محاولات شكلية ورمزية تتم بأسلوب خطوة خطوة ليس لأقتناع أحد بالإصلاح بل لمجرد تهدئة الجماهير الغاضبة بالمسكنات المنتهية المفعول، فإن الشئ الأفضل من تلك المحاولات الإصلاحية الفاشلة هو التغيير الكامل والشامل لأسلوب تفكيرنا وإلغاء كافة التشريعات والقوانين التى تشرع الإرهاب والتطرف وتدعو إلى إحتقان المشاعر، التغيير يعنى بناء الإنسان المصرى من جديد على أساس ثقافته الوطنية الأصيلة ورفض كل الثقافات الوهابية الوافدة، وأن يعمل الجميع على التأسيس لحضارة المحبة المصرية القائمة على حب الحياة وحب البناء والتقدم والرقى ليسمو الإنسان ويرتفع فوق التخريب والإنغلاق الثقافى الذى أصاب مجتمعنا بالإخفاقات المستمرة وسياسات فلسفتها " محلك سر " !
ميشيل نجيب
[email protected]