انعقدت المرحة الأولى من القمّة العالمية حول مجمع المعلومات بجنيف من 10 إلى 12 ديسمبر 2003 وستعقد المرحلة الثانية من القمّة في تونس من 16 إلى 18 نوفمبر 2005.

في هذه القمّة تسعى الأسرة الدولية لأوّل مرّة إلى وضع رؤية مشتركة لمجتمع الغد.
فماذا تأمل الشعوب العربية من انعقاد هذه القمّة ومن مجتمع الغد؟

إنّ أوّل ما ترنو إليه أنظار الشّعوب العربية تحسين أداء مجتمع المعلومات بصفة تمكّن الجميع من الوصول إلى المعلومة بأيسر الطرق، والاستفادة منها.

ووسائل الإعلام المنوّعة هي المؤهّل الأفضل لهذه المهمّة لأنّها ترسم السّياسات الهادفة إلى اكتساب المعرفة، وتؤسس إلى بناء نموذج معرفي يعتمد على ثقافة التنمية، وتثري النقاش حول التخطيط الأسلم لرؤية استراتيجية دولية لإقامة مجتمع المعرفة مجتمع ديدنه البحث عن المعلومة ونشرها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لتحقيق التنمية الإنسانية والثقافي لتحقيق التنمية الإنسانية المستدامة بواسطة تعميم المعرفة.

وحدّها يتكوّن من المعلومات والإرشادات والبيانات ومجمل البنى الرمزية والأفكار التي يحملها الإنسان أو يمتلكها المجتمع في سياق تاريخي ودلالي محدّد، توجه السلوك الفردي و المؤسسات في مختلف مجالات النشاط البشري.
والثاني : أن يدرك الفرد أن المعرفة حالة إنسانية أرقى من مجرّد الحصول على المعلومات، وأنّها تنمية بشرية تقوم من جهة على بناء القدرات الإنسانية بناء محكما يمكن من التوصل إلى تحقيق الرفاه الإنساني في جميع مجالات الحياة وعلى رأسها العيش في صحّة جيّدة وكسب المعرفة، والتمتّع بالحرّية، ومن جهة ثانية التوظيف الكفء للقدرات البشرية في جميع مجالات نشاطها، فإذا تحقّق ما نصبو إليه مستقبلا، فمن الضروري أن يقوم مجتمع المعلومات الدولي على قيم مشتركة تسري على كلّ الناس أفرادا ومؤسسات ودون تمييز.
ومن تلك الحقوق والقيم :
حقّ الإنسان في النفاذ الحر وغير الممنوع على الانترنات مع تمكينه من مستوى علمي يسمح له بذلك النفاذ من خلال وسائل الاتّصال في مؤسسته.

تعميم حرّية التعبير وحرّية الصحافة لأنّهما يؤديان إلى حقّ الفرد في حرّية التواصل، وإثراء الفكر وتطوّر المعلومات.

إعادة النظر في قوانين الحدّ من المعرفة ومن الإطلاع على ثراء المعلومات بحجة حماية الملكية الفكرية واحترام براءات الاختراع، فإنّ هذه الحجة أصبحت عائقا أمام الإنسان بما أنّ تلك الحماية للملكيات تتعارض مع نشر المعلومات والحصول عليها، وتتعارض مع مبدأ أنّ المعرفة حق للجميع وملك لهم.

مقاومة ظاهرة احتكار الأسواق الإعلامية العالمية. فما يحدث اليوم أنّ الوسائل الإعلامية والمعلوماتية تدخل تدريجيا تحت سيطرة عدد محدود من الشركات الإعلامية العالمية فتتحكّم فيها كما تريد. ولا تغيّر تلك الشركات من سلوكياتها الأنانية إلاّ بفتح أنشطة إعلامية لا تهدف إلى الرّبح يستفيد منها الأفراد والجماعات، إذا أردنا حقّا مجتمع المعرفة.

مراجعة مبدأ الملكية الذي يتّصل ببروتوكولات تكنولوجيا الانترنات والتطبيقات البرمجية الذي يؤدّي إلى نوع من الاحتكار ويعطل التحديد في هذا المجال، ويتمثّل الاحتكار في سيطرة المؤسسات العامة على بنى الاتصالات التحتية، وينفرد القطاع الخاص بالتقنيات والتكنولوجيات، وهذا من شأنه أن يعرض حرية النفاذ إلى المعلومات ووسائل الاتّصال إلى التقييد، و الحل يكمن في معايير تقنية منفتحة تساعد على وجود وسائل اتّصال مستقلّة وبرامج معلوماتية حرّة.

فرض نشر المعلومات التي تهمّ الشأن العام على الانترنات لتكريس فكرة أنّ كل شعب له الحق في معرفة ما يستجدّ سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتمـاعيا دون أن يطرأ على المعلومة تزوير أو تحوير أو تزييف أو تجميل.

للمواطن الحق في اختيار الوسيلة التي يريد التواصل عبرها، ومن حقّه أن تضمن له الهيئات المسؤولة الحصول على المعلومة التي يبحث عنها وتكفل له السريّة التامة إن اختار ذلك، وتشعره أنّه قادر على جمع المعلومات التي تهمّه وتداولها مع من يشاء، وأخذها من أيّ جهة أراد.

قيمة ننبّه إليها تتمثّل في ظهور مجتمع معلومات عالمي لا ينبغي أن يقضي على الثقافات و الخصوصيات بتعلّة مجتمع الغد متماثل وإنّما من الضروري أن تستخدم الشعوب تكنولوجيات الاتّصال والمعلومات لتحافظ على الخصوصيات، والتنوّع الثقافي تحت مظلّة حوار الثقافات عبر الانترنات.

أهمّية النوع في بناء مجتمع المعلومات، قضية أساسية لأنّ المرأة عادة تمنع لسبب أو لآخر من تكنولوجيا المعلومات والاتصال مقارنة مع الرجل. ومن هذا المنطلق فإنّ الحكومات والمنظّمات الدولية والمنظّمات غير الحكومية و المجتمع المدني كلّها مسولة عن نشر الوعي الخاص بالنوع على جميع المستويات وبصفة خاصة على مستوى تكنولوجيا المعلومات والاتّصال لتشارك فيه المرأة وتمنح فرصا متساوية مع الرجل في تمكينها من التدريب على تكنولوجيات العصر.

هذه بعض الحقوق و القيم التي نأمل أن تتمخض عن القمّة العالمية حول المعلومات التي ستنعقد بتونس في شهر نوفمبر 2005 ويبقى أن نتساءل عن وضع المعلوماتية اليوم في العالم العربي.

إنّ الغايات الأوّلية من معرفة التكنولوجيا وكلّ أنواع المعلومات، تطوير المجتمعات و النهوض بها وانتشالها من براثن التخلّف وهذا ما تحقق في الدول النامية ولم يتحقق حتى اليوم في العالم العربي. فما هي الشروط الأساسية للقيام من هذه الكبوة، و التقليص من الفجوة الرّقمية بين العرب والغربيين.

لا يمكن أن تنطلق عملية التنمية هذه إلاّ بتوفّر عوامل وشروط محدّدة أهمّها معرفة مواصفات المجتمع و خصائصه :
هل يحترم المجتمع العربي المعرفة، هل يقرّ بنسبيّة الحقيقة، هل يعترف بحقوق الفرد وحرّياته، هل يقوم هذا المجتمع على التحاور والتشارك هل يحارب التهميش والإقصاء، هل تديره المؤسسات ويحكمه القانون، هل يقصي المرأة أو يشركها في الحياة العامة. ما هي المبادرات المحلّية التي تعزّز انتشار المعرفة الهادفة و المتواصلة و النافعة للفرد و للعموم.

ما هو دور الأنظمة السياسية في تحقيق الشروط التي تساعد على المعرفة كتعزيز الحرية، و توفير العدالة الاجتماعية، و حفظ الاستقرار وضمان الحقوق. هل المجتمعات العربية تكرّس أو تحارب هذه الظواهر كلّها؟

إنّها أسئلة تخالج الإنسان العربي و الهدف منها دغدغة العقول و التأكيد على أنّ المعرفة مطلب إنساني تجتاحه شرائح المجتمع رجالا و نساء، وأطفالا، و لا يمكن أن تنتشر المعرفة و تتطوّر في العالم العربي إلاّ إذا انفلتت من سيطرة سلطة أحكام عقليّة القبيلة أو عقليّة الغنيمة أو التوجّه الإيديولوجي، و هي أحكام تغلب على السياسة العربية مع الأسف.

د. منجية السوايحي، أكاديمية
جامعة الزيتونة