منذ زمن بعيد وحال الهزيمة السياسية في مجتمعاتنا الشرقية عموما وفي العراق خصوصا كحال تلك المراة التي كتب فيها الشاعر الكبير الراحل نزار قباني واحدة من اروع قصائده وتحت عنوان ( حبلى ) وكانت خاتمتها ذلك المقطع الشهير:

شكرا سأسقط ذلك الطفلا

انا لاأريد له ابا نذلا

هكذا خرج الكثيرون من الانتخابات الاخيرة في العراق مثقلين بالهزيمة بسبب النتائج الهزيلة التي جنوها من الانتخابات. لا اعتقد ان هنالك من يشكك في امكانية حصول عمليات التلاعب او التزوير او على الاقل الاكراه لانتخاب جهة ما اثناء عمليات التصويت فهذا صحيح و وارد جدا ولا توجد انتخابات نزيهة بدرجة مطلقة. بل ويتفق الكثيرون ان مارافق الانتخابات العراقية من شبيه تلك الممارسات والاعمال ربما يكون اكثر بكثير بالمقارنة مع الانتخابات في دول اخرى كثيرة. لكن الحقيقة الاكيدة تكمن في ان عمليات الغش والتزوير والتلاعب ليست السبب الوحيد الذي ترك الكثير من الكيانات والاحزاب والشخصيات التي دخلت الانتخابات بقائمة طويلة عريضة دخول العريس الى حفلة عرسه تخرج منها بحفنة بسيطة من الاصوات لايكفيها لضمان مقعد واحد في المجلس النيابي بل اصبح شغلها الشاغل هو رفع الدعوات الى الباري عز وجل طلبا للمساعدة في الحصول على احد المقاعد التعويضية فتشملها مكرمة المفوضية العامة للانتخابات بالزحف او النجاح بقرار (سمٍه ماشئت) ويكون بالتالي الزعيم الهمام لتلك القائمة عضوا في البرلمان العراقي المقبل.

لانسطر هذا الكلام شماتة في احد ولكن الواجب واصول اللعبة الديموقراطية يتطلبان من القائد السياسي ان يكون شجاعا في تحديد مالَه وما عليه. لقد كان الكثيرون يتمنون لو خرج عليهم احد هؤلاء فيعترف بالقلم العريض وبالصوت الجهوري بان الظلم والاجحاف قد لحق بقائمته بدرجة ما نتيجة للمارسات السلبية التي رافقت العملية الانتخابية ndash; بالرغم من ان الكثير يعرف ان تلك الممارسات قد استهدفت قوائم معينة بالدرجة الاساس وليس كل من هبً ودبْ ndash; لكن ضعف ادائه السياسي واستهلاك صورته قد كان ايضا سببا مهما في النتيجة التي حصل عليها، وبالتالي ولأن الحياة السياسية وكما فطم عليها عليها في المجتمعات الغربية هي تجربة حظ لايجوز تكرارها مالانهاية من المرات فقد ان الاوان لبعضهم ان ينتبه لمزرعته وعائلته وقراءاته الثقافية ونشاطاته التجارية.

ربما يرى البعض ان دخول اكثر من سبعة ألاف مرشح يمثلون عشرات بل مئات القوائم والكيانات والاحزاب الى الانتخابات الاخيرة هي ظاهرة صحية تشير الى قدرة مجتمعنا العراقي على تفريخ ألاف من القادة عوضا عن القائد الاوحد إلا ان قسما كبيرا ( ومنهم الكاتب ) يعتقدون ان هذا الكم الهائل من الكيانات والمرشحين يمثل انعكاسا واقعيا لحالة الفوضى السياسية التي عمًت العراق كرد فعل طبيعي لحكم الدكتاتورية والحزب الواحد. ولأن التجربة الديموقراطية في العراق هي تجربة وليدة فان الحاجة ضرورية لتطوير هذه التجربة في المرحلة القادمة عن طريق وضع ضوابط والية معينة لاتصطدم مع المبادئ الديمقراطية في تمتع الجميع بحقه في الترشيح وبما يؤدي ايضا الى ان تحقق هذه العملية الاهداف المرجوة منها وتساعد الناخب في مهمته لاختيار الافضل وتقلل قدر الامكان ظاهرة تشتت الاصوات وفوضى القوائم.

ان تشكيل كيان او حزب سياسي يستلزم بالتأكيد شروطا معينة تختلف حتما عن الشروط الواجب توفرها في تشكيل او تكوين رابطة او جمعية او نقابة او نادي، ان الاحزاب والكيانات التي لم تحصل إلا على عدة مئات او بضعة ألاف من الاصوات من مجموع عدد الناخبين الذين تجاوز عددهم الاحد عشر مليون ناخب يجب ان تعيد النظر جديا في جدوى وجودها كمقرات وصحف وفضائيات.

ان مناسبة هذه السطور هي عودة بعض من هؤلاء الاسماء او تلاميذهم النجباء وخاصة من اصحاب بعض القوائم الانتخابية المسيحية الى الحديث مجددا عن انهم الممثلون الشرعيون لامال وطموحات الجماهير بعد ان كانوا قد دفنوا رؤوسهم في الرمال لبضعة ايام بعد الانتخابات فعادت الحليمة الى عزف نفس الاسطوانة القديمة في الوقت الذي لازالت فيه الكثير من الفضائيات والصحف ووسائل الاعلام الاخرى تتناقل وبحرارة نتائج الانتخابات وتتكلم عن ارقامها التفصيلية.

ليس عيبا او نقصا ان لايتمكن المرء من تحقيق اهدافه في الانتخابات فجميعنا يمكن ان يتعرض لهذا الموقف، ولكن العيب كله في ان لايستفيد المرء من الدرس الذي خرج به من الانتخابات ليعود الى ذاته في مراجعة نقدية ويحاول ان يُخرج العصا من عينيه ليتمكن من ملاحقة القذى في عيون الاخرين.

والحياء نقطة اذا سقطت الله يستر.

الدكتور وديع بتي حنا

[email protected]