فتاة فلسطينية مثقفة من لبنان. في ليلة عيد رأس السنة، دخلت عبر الماسنجر تتحدث معي..
أرسلت ملامحها.. مع قصيدتها، كي توصل صوتا للذين يحتفلون بأعيادهم في أوطانهم لتقول : أن الفلسطينيين المشردين خارج وطنهم المحتل يعتبرون أنفسهم خارج الزمن فكيف لهم أن يحتفلوا بالعام الجديد؟!
قلت لها : كل عام وأنت بخير.. مبروك عليك عيد رأس السنة الجديدة.
قالت : أي عيد.. (للي مضيع وطنه )؟!
ودخلنا في حوار طويل مفعم بالألم والأمل والفكر العميق.
كان الحوار يزداد إثارة على انعكاس جمال ملامح الصورة.
فكانت الصورة شعرا... والشعر صورة.
كلاهما ينبثق من الآخر ليضفي جمالا متبادلا كتبادل الجمال بين النرجس والماء.
قرأت القصيدة والملامح وطلبتها أن أنشر قصيدتها والحوار فلم تمانع، وهي لاتدعي أنها شاعرة بقدر ما تعتبر نفسها مثقفة تبحث عن مكتشف يبحر في أعماقها المفعمة باللآلي التي لا تدركها هي ولا تقدر على اكتشافها وهي المشغولة بهموم الاغتراب عن الوطن والبحث عن تأمين العيش الكريم الذي يحافظ على كرامة النفس والعفة.
لكنني نسيت أن أقول لها أن هذا الإنسان العربي من محيطه إلى خليجه أما أن يكون بلا وطن أو يكون بلا حلم!
لافرق بين الحلم والوطن، سوى أن الوطن : مكان ينطلق منه الإنسان لتحقيق الحلم.
والحلم : أمل يعود منه الإنسان لبناء الوطن.
فإذا ضاع الوطن ضاع الحلم، وإذا ضاع الحلم ضاع الوطن.
ونسيت أن أرد عليها قائلا : وأي عيد.. يا سيدتي..( للي مضيع حلم )؟!
الحلم : وطن..
والوطن الحقيقي : أرض للحلم.
أما المكان الذي يضم الجسد ويسجن الروح والعقل، فليس بوطن، لأنه لا فرق أن يكون الإنسان في وطن يحتل روحه وعقله، أو في وطن يحتله محتل!
وأينما وجد المكان الذي يمنح الإنسان حريته ويعترف بآدميته فذلك هو : الوطن!
استمر الحوار بيننا مستمدا روعته من ملامح جمال الصورة المعبرة عن صفاء ذهن ومسحة حزن، ومن كلام القصيد المنساب كالثلج في يوم شتاء قارس.
وغدت القصيدة صورة للبوح، والصورة قصيدة للبهجة والحزن معا.
وهكذا يمر عام جديد ليس للعربي فيه من أمل أو مشاركة سوى أن يقول باستحياء وأحيانا بخجل وخوف ( كل عام وانتم بخير ) أو (happy new year ).
لان الإنسان العربي يشعر انه خارج قوانين الزمن، وانه لاينتمي إلى العالم الذي يحتفل بأعياده، حينما يكون ذلك الإنسان العربي أما بدون وطن أو بدون حلم.
وكلاهما : الوطن والحلم... ضاعا، لان الإنسان العربي يرفض أن يكون له وطن أو يكون له حلم، إلا أن يكون الكون كله له... لوحده!
تضيع الأوطان العربية... وتضيع الأحلام، ويبقى القصيد معبرا عن المعاناة حين يضيع الوطن ويموت الحلم.
فأقرأوا بوح الفتاة الفلسطينية التي ترفض أن تتقبل تهنئة العام الجديد، لأنه كما تقول لا عيد ( للي مضيع وطن ).....!!
وكل عام وأنتم بخيـر.
تقول ( ميسون جمال مصطفي ) في شعرها.. صهيل النرجس:
ستمر فوق جسدي خائبا،
غائباً في تفاصيله الكثيرة...
فأوتاري صهيل النرجس...
وأنت في ذاك الركن،
تغيب عن كينونة الورد.
ستمر فوق دمائي... حينا
وتغزو وجعي،
فينحصر مدي جزرا...
وتطفو فوق سمائي حنينا...
ستمر فوق شجني...
ولن تشعر بفحيح أدغالي،
ولا بهديل دمي...
كغيمة ملونة بالندى،
وقوس قزح مسافر في المدى...
ستمر فوق جسدي فاتحاً عربياً،
وتنشر راياتك في أرضي...
معلناً استيلائك على سماواتي...
ولكن...
ستمر كما مرّ موسى في اليّم.
سالم اليامي
التعليقات