على مدى أربعة أيام تواصل وسائل الإعلام العربية المقروءة والمرئية تفاعلها مع المعلومات التي ذكرها عبد الحليم خدام في لقائه التلفزيوني مع قناة العربية، حيث وصف البعض هذا اللقاء بالتاريخي وآخرون بالقنبلة التي هزت العرش السوري، وأستدعت الى حشد أعضاء مسرح العرائس في جلسة إستثنائية للرد على تلك المعلومات التي كشف عنها عبد الحليم خدام، ومدت حبال الغسيل فيما بين الطرفين، ونشروا غسيلهم العفن الذي تفوح رائحته النتنه منذ أكثر من أربعين عاما لدرجة أزكمت أنوف الشعب السوري وأدت الى إصابته بالتهابات المجاري التنفسية لزخمها.
فإن المعلومات التي أدلى بها الخدام ورد الفعل المضاد من قبل أسود مجلس الشعب ماهي إلا فرقعات ألعاب نارية بالنسبة للسوريين، وما جاء به الطرفين من فضائح ليست بخافية على الشارع السوري، حيث كانت تتداول همسا حتى وقت قصير واليوم أصبحت جهرا وعبر وسائل الاعلام، هذا هو الفارق الوحيد في قيمة المعلومات التي أعلنها سواء الخدام أو رفاقه بالأمس وأعدائه اليوم في دمشق.
واللافت في الأمر أن خدام لم يتطرق في حديثه الى جرائم الفساد التي شارك بها هو وأبنائه وحتى زوجته المصونة التي كانت محترفة النصب على زوجات السفراء الخليجيات والحصول منهم على المبالغ الطائلة تحت ذريعة التبرع للجمعيات الخيرية، وقيس على هذا المنوال من عمليات التعيش والإرتزاق التي كان يمارسها خدام وعائلته وغيرهم من البعثيين.
لقد إعتاش البعثيون ليس على أرزاق الشعب السوري وأملاك الغير فحسب بل أعتاشوا أيضا على مال الدول الخليجية، ونأمل من الخدام أن يكشف لنا المستور والمخفي حول قضية الإرتزاق وكيف كان يتم إبتزاز الدول الخيليجة بأسم الثورة، فكم من مشروع وطني لدعم الاقتصاد السوري تبرعت الدول الخليجية بتكاليفه، ونهبت هذه الاموال وأخذت طريقها الى الجيوب والارصدة الخاصة في الخارج، بهذا الاسلوب كانت تدار الدولة السورية ومؤسساتها وهكذا كان يعتاش البعثيون ويكدسون المليارات على قلوبهم، وخدام كان أحد المسؤولين عن إدارة هذه الدولة ومؤسساتها وأحد رموز هذا الاسلوب في التعيش.
وبما أنك يا خدام قررت الإعتكاف والإنكباب على كتابة التاريخ فنتمنى أن يخرج هذا الكتاب وفيه نقد للذات لا مصورا نفسك بطلا قوميا حسب ما كان المقصود من هذه مقابلته مع العربية، وفضح رفاق دربك لنيل وسام شرف من عائلة الحريري، فصدر رفيق دربك مصطفى طلاس متروس بالأوسمة ولا أعتقد أنه قد يبخل عليك بوسام وأنتما شركاء في الانتصارات والمعارك البطولية في الجولان..!
فمن شيم الرجال يا خدام هو الوفاء، ولحم أكتافك من هذا النظام الفاسد الذي صنعته بسواعدك وأفسدته وهذا الرئيس الذي وجهت النقد له هو تربيتك وخريج مدرستك وأنت من نصبته رئيسا، وأجهزة المخابرات التي اتهمتها بالتورط في اغتيال رفيق الحريري من أعظم إنجازاتك، فهل ولد أحدهم من بطن أمه مخبرا أو ورث عن عائلته جهاز مخابرات... ؟ هذا ما صنعته أيديكم، لقد أكلتم الحصرم quot;المليارات quot; والشعب السوري يضرس اليوم، هذا الشعب الذي تتباكى عليه اليوم يا خدام لولا وجودك وأمثالك من الفاسدين والمفسدين في السلطة لما وصل به الحال ليقتات على القمامة، ولما شهدت سوريا مسرح عرائس يسمى quot; مجلس الشعب quot; وهو أول وأعرق برلمان عربي.
فكم من المؤسف والمحزن هذا الصرح الشامخ الذي تعبق ردهاته برائحة فوزي المؤيد العظم وهاشم الاتاشي وشكري القوتلي وسعد الله الجابري وخالد العظم ومنير العجلاني وغيرهم من عظماء سوريا وينطق كل حجر فيه بهذا التاريخ الذي يعتبر مفخرة للامة العربية، وتعلق صور المجرمين والفاسدين الى جانب صور العظماء ممن ترأسوا المجالس النيابية التي تعاقبت على سوريا منذ العام 1919 في بهو هذا المجلس.

نورا دندشي

صحافية وكاتبة سورية