يعود حدث إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، مرة أخرى ليؤكد أنه الحدث الأهم الذي شهدته المنطقة، وأنه المنعطف الذي يحرك حاضرها ومستقبلها.

إغتيال الحريري كان بالتأكيد الخطأ القاتل الذي إرتكبته القيادة السورية وشركاءها في لبنان. إذ هم أرادوا بذلك، إعتقدوا، تعبيد طرق إحكام هيمنتهم على البلدين لفترة طويلة. النتائج جاءت عكسية، ومؤكدة أميتهم سياسيا، وغرورهم في كمال تنظيماتهم وأجهزتهم.

الرئيس بشار الأسد، كما صرح خدام مؤخرا، يتسم بالتسرع والإنفعال، في معالجة الأمور، وعبد الحليم خدام، كماهو معروف، هو أحد الأركان الأساسية في نظام الأسد منذ 1970، عندما خولت إليه مهام السياسة الخارجية. ومعلوم أن quot; الإنفعال والتسرع quot; تصبح من الميزات والسمات الرئيسية لشخص ما، عندما يصبح على قناعة أنه الشخص المطلق والوحيد الآمر والناهي في هرم ما. بحيث تقوده هذه القناعة إلى الغرور المطلق، وتفقده قابلية الإستماع. إستماع رأي أو مشورة من أحد، مهما كان هذا الأحد. وإن أصر أحدهم على إسماع رأيه أو مشورته (رأي مختلف ) كما كان الحال بالنسبة للشهيد الحريري فسيكون الإقصاء مصيره المحتم. ولكون الأجهزة التنفيذية في عملية الأقصاء، لدى هذا النوع من الحكام تتمتع بحرية كبيرة وتمتلك كافة الأدوات والمتطلبات، المالية والتقنية وغيرها نجد الأجهزة تلك تتسابق في تأكيد الولاء، أي تنفيذ التوصيات وأيضا إشباع الرغيات. هذا التسابق يؤدي، في معظم الأحيان، إلى إنعدام التنسيق، وخصوصا في مسألتي الزمان والمكان.

الحريري، كما البعض من اللبنانيين ( قصير، حاوي، تويني.. ) أفصحوا عن رؤية مخالفة، تخطوا الخطوط الحمراء وبقية حدود الحاكم المطلق، مما قاد إلى إتخاذ قرار رغبة، وربما توصية الإقصاء. وغرور الحاكم، وأجهزته، مضافا إلى الحقد، جعل عملية الإقصاء بهذه الوحشية.
القيادة السورية، بما فيها السيد خدام، ( وهو ركن أساسي في خصوص الملف اللبناني، حيث لقب بالمفوض السامي )، إرتكبت أخطاء وخطأيا فادحة، لم تنعكس بعد نتائجها الكلية على كل من لبنان وسوريا، فالقادم أعظم،. والقنبلة التي فجرها خدام اليوم لقاء العربية ليس سوى خطوة نحو الإنهيار المحتم
quot; للهرم الأسدي الشامخ quot;.
خدام بتصريحاته تلك، إبتعد خطوة عن نظام الأسد، لكنه لم يقترب خطوة نحو الوطن والشعب، فهو بقوله quot; مصلحة البلد تقتضي أن لاأتحدث quot; خطى في الإتجاه المعاكس. أي إبتعد بنفسه خطوة عن كل من النظام والشعب، وعن مصلحة quot; البلدquot; فمصلحة البلد تقتضي التحدث والمصارحة، كما تقتضي الوقوف على الأخطاء إذ يجب أن لايغيب علينا أن خدام هو الذي أصدر القانون رقم 9 في حزيران 2000
الذي قضى بتعديل المادة 83 من quot;الدستور quot;. التي تحدد سن المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية، بما يسمح بتسليم الرئاسة لبشار الأسد. أي كما هو أساسا quot; دستور quot; quot; التصحيحquot;، يفصل دوما وفقا لمتطلبات وإحتياجات الحاكم. وخدام نفسه، لبضعة أسابيع ( مابين وفاة حافظ الأسد وإستلام إبنه ) كان رئيسا للدولة،
أي أتيحت له فرصة quot; تفجير قنبلة quot; خلاص وإنعتاق شعبي سوريا ولبنان، إلا أنه لم يفعل ذلك. بل ساهم في تثبيت هيمنة بشار وفريقه، على كل من لبنان وسوريا وهو أيضا الذي أمر بإلغاء المنتديات والقضاء على عودة إحياء المجتمع المدني ( هو شخصيا ألذي أمر بإعتقال رياض سيف وعارف دليلة ) وائدا بذلك هذا المطلب للشعب السوري. فهو لم يضيع الفرصة فحسب، إنما أكد إنتماءه إلى ذلك الفريق،إذ يقول في مكان آخر في اللقاء نفسه :(إستطعنا أن نحقق لسوريا مكانة مرموقة في الساحتين العربية والدولية..). هو تكلم بصيغة الجماعة، وهنا لابد من أن نتساءل، كما غالبية السوريين أين هي ملامح هذه المكانة quot;المرموقةquot; وإنعكاساتها على واقع الشعب السوري؟؟

خدام أكد شراكته ودوره الرئيسي في مآسي سوريا، منذ إنقلاب تشرين، ولنتمعن في قوله ) إذا جرؤ أحد على التفكير بمحاكمتي، يجب أن يحسب أنه سيكون يوما في قفص الإتهام.. لدي الكثير لأقوله.. ومن يفكر، أو يحاول فهو يعرف جيدا مالدي ) وأيضا قوله ( كان الخيار بين الوطن والنظام فاخترت الوطن لأنه باق والنظام حالة عابرة في التاريخ ) ذلك كلاما منطقيا، وقمة في الموضوعية، وجميل جدا....
وهل قرار الإبتعاد خطوة عن النظام سيتبعه قرار بخطوة نحو الوطن؟؟

وخصوصا أننا، والسيد خدام بالتأكيد، نشهد حراكا مهما على الساحة السورية أهم ملامحه الأستعداد لفتح صفحة جديدة في بناء البيت السوري، ورغبة عارمة من قبل النخبة السورية، وقوى المعارضة في إنقاذ سوريا وتجنيبها كوارث إستمرار نظام الأسد في الهيمنة وقيادة البلاد.

خدام أبتعد خطوة عن النظام، ونأمل أن يلحقها بالخطوة الأهم.... خطوة الإقتراب من الوطن والشعب ومصالحهما....

فهلا يكمل السيد خدام خطوته....

مروان حمود
النمسا