قبل عقد من الزمان..انشق عن quot;زعيم البوابة العربية الشرقية الأوحدquot; ndash; حينها صدام حسين - الساعد الأول له، سيادة الفريق أول الركن حسين كامل، وزير الصناعة والتصنيع العسكري ورجل العراق القوي وصهر الرئيس صدام حسين و قدم إلى الأردن برفقة من أتى معه ليطلع الملك الراحل الحسين عن خفايا الوضع في العراق.

بعده بعشرة أعوام، ينشق الساعد الأول عن الرئيس المناضل سيادة الفريق الركن و زعيم جبهة النضال و الصمود و التحرير، و رائد الديمقراطية و الحرية و الإنفتاح، النائب الأوحد للرئيس السوري، عبد الحليم خدام، ليطلع الرأي العام العربي و العالمي عن خفايا جرائم النظام quot;الذي خدم فيه خمسة و ثلاثين عاماquot;، على الأقل في مواقع متقدمة.

بين حسين كامل و عبد الحليم خدام...عقد من الزمان....و عقد من الأوهام...و الأزلام و الأقزام و الإنهزام و quot;الأحزانquot;.

حسين كامل بدأ حياته العملية بوظيفة شرطي عادي وهو شبه أمي، فلم ينهي دراسته الإبتدائية، وهذا ليس بعيب على أي شخص يشق طريقه في الحياة لمواجهة ما فقده من تعليم في شبابه.
ثم تنقلب الصورة، و إذ بقريبه صدام حسين quot;الذي هو ليس كثيراً بأوفر حظ من قريبه بالدراسةquot; يصبح عضواً هاماً في الحكومة لا ندري كيف و إذ به نائب رئيس الجمهورية و من ثم رئيس الجمهورية الأوحد. بعدها، تصبح كافة عشيرته، و كل أهل قريته أفراداً في حراسة quot;حمايةquot; السيد الرئيس.

هذا الشرطي، جميل الشكل و جذاب، ينجح في كسب قلب شابة صغيرة quot;كان من المفروض به أن يحميهاquot; و إذ به يسيطر على قلبها و هي تقع في سحر جاذبيته. تلك الفتاه الشابة ذات الأربعة عشر عاماً ما هي إلا رغد صدام حسين.

لن ندخل في تفاصيل أكثر، و باختصار، يصبح الحب أقوى من كل شيء، و يدخل حسين كامل الدائرة الأقرب و الأصغر من المقربين للسيد الرئيس، ليكون صهره الأول و لتنقلب الصورة من الولد العسكري البسيط إلى السيد الأستاذ الفريق أول الركن وزير الوزراء....
وزير الوزراء لأنني سمعتها من وزراء كانوا معه في الحكومة وكان عليهم أن يطلبوا موافقة quot;زميلهمquot; سيادة الفريق الأول الركن، quot;الوزير حسين كاملquot; على كل شيء يفكروا فيه قبل أن يوافق عليه سيادته، وهم حملة الشهادات العليا و هو الذي لم ينهي الابتدائية.

علق أحد الزعماء العرب على حسين كامل بعد انشقاقه إلى الأردن فقال: كنت أزور الرئيس صدام حسين باستمرار، و في جلساتنا الخاصة كنت أسمع الرئيس صدام يقول: هات يا حسين quot;النفاضهquot; (أي منفضة السجاير)، خذ يا حسين الكأس، جيب يا حسين quot;القزازةquot;، نادي يا حسين فلان، أمسح يا حسين الطاولة.......
و بعد سنين،.،يصبح حسين فريق أول...وزير لثلاث وزارات و ثاني أهم شخص في الدولة..؟
من مراسل إلى صهر الرئيس و حاكم البلاد الثاني.....أي مسخرة تلك التي عاشها العراق....؟

باختصار، انشق حسين كامل ليشتكي من الوضع في العراق آنذاك و نسي أنه هو جزء من المعادلة الرهيبة، الصعبة و الأليمة التي كان يعيشها الشعب العراقي.
كان لديه في مبنى وزارته سجناً خاصاً يعتقل فيه كل من يخالفه الرأي.
سمعت يوماً بأنه وخلال زيارة لأحد معامل التصنيع العسكري، كان أحد المهندسين يشرح له طريقة عمل إحدى المكائن والتي تعمل بالضغط البخاري. وطلب من المهندس أن يزيد طاقة عمل الآله لزيادة الإنتاج، فأجاب المهندس قائلاً: سيدي، نحتاج إلى تزويدها بضغط إضافي و زيادة كمية quot;الستيمquot; (ويقصد البخار). فنظر كامل إلى أحد مرافقيه و أمره كالتالي: إعتباراً من الغد، عليكم جمع كل الكميات المتوفرة في السوق من هذا الذي ذكره لزيادة الإنتاج.
هكذا كان حسين كامل و كلنا نعرف كيف انتهى إلى النهاية الصحيحة التي كان يجب أن يصل إليها.

و بعد عقد من الزمان، يطلع علينا حزب البعث العربي الإشتراكي ب quot;بطلquot; آخر و مصلح جديد للقرن الواحد و العشرين، شبعنا قرفاً من تردد اسمه عبر الأربعين عاماً الماضية.

يخرج علينا quot;نائب الرئيس quot;الذي لم نسمع بغيرهquot; منذ quot;الثورة التصحيحيةquot; قبل خمسة ثلاثين عاماً،
يأتي إلينا المفكر الأعظم ليعطينا اليوم نظريات عن الإصلاح و التعديل و التطوير و الإشتراكية.

جائنا الآن ماركس الرأسمالية صاحب الأفكار النجيبة التي لم يكن غيرها لمواجهة القرن الواحد و العشرين لتقف أمام العولمة و المعلوماتية و مواجهة الفقر و محاربة الفساد الإداري و الإقتصادي و الحزبي و الأمني.

جاءنا آينشتاين المعلوماتية، و تحدث إلينا quot;أبو جمال العلامquot; لنكتشف أن قصته كانت قديمة و باليه.

رأينا أن أبو جمال الحكواتي أصبح يحدثنا عن قصته و أولاده و كيف عملوا بجد و اجتهاد فصنعوا سوريا العظيمة، المثال الأول و الأوحد في الديمقراطية و التطور و التطوير و الإصلاح و التنمية و حقوق الإنسان.

فهذا المحدث المسكين يحدثنا من منزله الباريسي الذي ورثه عن أجداده أو على الأقل بناه من عرق جبينه في عمله و من توفير بعض من رواتبه و عمله الشاق.

فquot; الأستاذquot; جمالquot; يمتلك شركات و تصاريح استيراد و تصدير تم ترخيصها بإذن من الحكومة أو الحكومات الشرعية في البلاد، و تلك التي ترددت في إعطاءه تلك الشرعية، و ليقيم سيادته موانيء خاصة له لتسهيل الإستيراد و التصدير لحساب quot;الشعبquot;. فلا حاجة للموافقات بعد اليوم.

ولا ننسى أكبر شركة استثمر فيها ابا جمال، ألا وهي، quot;جيران الإستثمار و التعميرquot;....عفواً، أقصد: quot;لبنان للإستعباد و التدميرquot;.

لا أريد أن أعرف لماذا انشق حسين كامل و لا انشقاق عبد الحليم خدام.. لكنني أعرف شيئاً واحداً ينطبق على الإثنين:

الأول، شبه أمي، شرطي بسيط، يصبح بقدرة قادر سيادة الفريق الأول، الحاكم الثاني لإحد أقوى بلد عربي، ويحكم فيه بيد اشد من سيده و صاحب نعمته، ويبني ثروته على جماجم أبناء العراق، و من ثم، يأتي ليحدثنا عن فساد نظام صدام حسين.

و الثاني، شاب ينهي دراسته الإعدادية و ينضم لصفوف حزب البعث العربي الإشتراكي و يصبح في سن quot;السادسة عشرةquot; رئيس شعبة حزبية، قبل أن يكمل تعليمه في القانون لينطلق بعدها كالصاروخ و يحتل المقعد الثاني في قيادة الدولة و الحزب لأكثر من خمسة و ثلاثين عاما. قاد هذا البلد إلى التراجع و التخلف و الإنغلاق و الدكتاتورية، و يأتي اليوم ليحدثنا عن فساد هذا النظام الذي رسم طريقه بيده و بنى قصوره على سرطان أبناءه.

يقول عبد الحليم خدام أنه كان يقدم الدراسة تلو الدراسة حول الإصلاح و التطوير، لكن أحدا لم يسمع بها أو يطبقها. نتساءل إذاً، إذا كانت هذه الحقيقة quot;برأيهquot; فما فائدة أن يكون الشخص نائباً للرئيس؟

لكنه كان صادقاً حين قال بأن نصف الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، و النصف الآخر على خط الفقر.
كان صادقاً حين تحدث عن الوضع في لبنان و عن القادة الأمنيين المنتدبين و تعاملهم مع القادة و الزعماء اللبنانيين.

و دون ذلك، فقد كان الحديث مملاً..

وكان الله في عون شعوبنا على هكذا quot;منظرين و مصلحينquot;.

وتبقى quot;سوريا يا ذات المجد و العزة في ماضي العهد..quot;


أكثم التل
كاتب و صحفي أردني ndash; مستقل
[email protected]