سيرحل شارون ويبدأ الحديث عن إنجازاته...هذه الإنجازات التي لا يختلف عليها إثنان بأنها كانت من الأكثر دموية في تاريخ العسكريين أو السياسيين الذين حكموا بلادهم، لكن مع اختلاف نسبي.
لكن، وبعيداً عن أي عاطفة أو شعور متسرع، وبعيداُ عن أي حديث عن الإحتلال الإسرائيلي و قمعه و عنفه و إرهابه، علينا أن نعترف أن أريل شارون، رحل وهو في قمة عطاءه و شعبيته لدى مواطنيه.

دعوني أذكر باختصار تاريخه و بعض عطاءاته، فقد بدأ أريل شارون حياته العسكرية منذ نعومة أظفاره وهو في الرابعة عشر من عمره حيث انخرط في صفوف منظمة الهاجاناه قبل أن ينتقل للعمل في صفوف الجيش الإسرائيلي.

وبعد فترة انقطاع عن الجيش قضاها شارون على مقاعد الجامعة العبرية، عاود الجيش الإسرائيلي سؤاله للإنضمام للجيش وترأّس الوحدة 101 ذات المهام الخاصّة، وقد أثارت الجدل بعد مذبحة قبية في خريف 1953 والتي راح ضحيّتها 70 من المدنيين الأردنيين. أقام شارون مجزرة بشعة في اللد عام 1948 و حصد أرواح 426 فلسطيني بعد أن اعتقلهم داخل المساجد و قدم لهم أكواب البول بدل الماء ثم نسف المسجد بمن فيه و أمر الفلسطينيات بخلع ملابسهن ثم فتح عليهن النار.

ولاحقا، شارك شارون في عدة حروب ساهمت في صعود نجمه العسكري، ومنها العدوان على السويس بمصر عام 1956، وحرب يونيو/حزيران عام 1967، وحرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.

ترك شارون الجيش عام 1973 وهو يخطط للتقاعد، لكن عندما وقعت الحرب تم استدعاؤه، ورقيّ إلى رتبة لواء، ووضعت فرقة مدرّعة تحت قيادته. وقد قامت قواته بعبور قناة السويس في منطقة quot;الدفرسوارquot; وحاصرت وحدات من الجيش الثالث المصري.

وفي عام 1982 وخلال تولّيه وزارة الدفاع، شارك أريل شارون في عملية quot;سلامة الجليلquot; في لبنان، بهدف تدمير قواعد منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة داخل لبنان، البلد الذي كان حينها يعاني من حرب أهلية.
لكن شارون قاد القوات الإسرائيلية طول الطريق، هذه المرة، إلى ثاني عاصمة عربية quot;بيروتquot;، بعد القدس الأمر الذي أسفر عن خروج الزعيم الفلسطيني الراحل، عرفات، ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى البحر، ومن ثم إلى تونس.

حينها، ارتكبت الميليشيات المسيحية اللبنانية مجزرة فلسطينية في مخيم صبرا وشاتيلا في العاصمة بيروت. وكانت الميليشيات اللبنانية موالية للحكومة الإسرائيلية، وسمح شارون لهذه الميليشيات بالدخول إلى مخيمين للاجئين الفلسطينيين، هما صبرا وشاتيلا، حيث ذبحوا بين 700-800 فلسطيني أعزل غالبيتهم من الأطفال و النساء و الشيوخ. و جرت محاولات عديدة لمحاكمته كمجرم حرب، إذ تم الإعتراف دولياً بضلوعه في مجزرة صبرا و شاتيلا.

وبعد هزيمة quot;بينيامين نتنياهوquot; في انتخابات 1999م انتُخب quot;شارونquot; رئيسًا لحزب (الليكود)، ثم زارَ الحرم القدسي سنة 2000م تحت ذريعة أنه quot;من حقِّ كل يهوديٍّ زيارة جبل الهيكلquot;، وغداةَ زيارته اندلعت انتفاضة الأقصى quot;الثانيةquot;، التي مازالت مستمرةً حتى الآن، وبلغ عدد شهداءها أكثر من 3000 شهيد.

ثم وصل quot;شارونquot; إلى أعلى منصب في الدولة الصهيونية لتصبح إسرائيل (الكيان الصهيوني) هي الدولة الوحيدة في العالم التي حكمها مجرم حرب، وبعد توليه السلطة استمر في المجازر والمذابح الوحشية ضد المدنيين في فلسطين ولبنان، ومنها مجزرة (جنين)، التي دارت رحاها بين الثالث والخامس عشر من إبريل 2002م، ضمن ما سمِّي وقتَها بحملة (السور الواقي)، التي شنَّها جيش الاحتلال الصهيوني على المدن والمخيَّمات الفلسطينية في الضفة الغربية،

ناهيك عن باقي عمليات التدمير و الإغتيالات التي شنها ضد القادة الفلسطينيين و المدنيين في كافة أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى تحفته الفنيه، quot;الجدار العازلquot; في الضفة الغربية و الذي أكمله بعزل قطاع غزة بحجة quot;فك الإرتباطquot; أو الإنسحاب من غزة.

كل هذا، صنع لشارون شعبية لم يحصل عليها مثيله في تاريخ الدولة الصهيونية، مما حدا به، وهو يشعر بمنافسة غريمه quot;نتينياهوquot; على زعامة حزب الليكود، إلى تأسيس حزب جديد، بحجة أنه حزب وسط، ليقضي على quot;العملquot; و quot;الليكودquot;.
ولو بقي شارون، على الأقل في الحياة السياسية، لكان قد حطم منافسيه نظراً للشعبية الهائلة التي كان يحظى بها،
فهو و بكل بساطه، من أكثر الزعماء الإسرائيليين الذين خدموا شعبهم، و من أكثرهم شدة و قسوة على quot;أعدائهمquot;،
و في سبيل تحقيق أهدافه و أهداف من معه من الإستعماريين الإستيطانيين و المحتلين، لا يؤمن إلا بشيء واحد: quot;مصلحتنا فوق مصلحة أي شيء و أي كانquot;، لذا، لم يكن يأبه بأي شي و لا بأي كان.
في النهاية، أقول هذا، وهو جزء من تاريخ أريل شارون، و أكرر، بعيداً عن أي عاطفة أو شعور أو وطنية، ونحن كلنا نشعر بشديد الكراهية و الحقد على هذا الرجل: لقد كان على الأقل رجلاً وضع مصلحة شعبه و (بلده) ndash; إن صح لي القول ndash; فوق كل أي اعتبار.

ما أريد قوله باختصار:

أين لنا نحن العرب بقائد، شارون عربي مثله؟

أكثم التل

كاتب و صحفي أردني مستقل
[email protected]