شهد عام 2005 أزمات جديدة في منطقة الشرق الأوسط المعروفة بإضطراباتها و مشاكلها، بحيث أصبح من الصعب قراءة مشهد سياسي فيها بعيداً عن تراكماته التاريخية عبر عقود من الزمن. فلا يمكن على سبيل المثال النظر الى تصريحات نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام الأخيرة، و الغير مسبوقة، بمعزل عن سياسات نظام حزب البعث في سوريا لأكثر من أربعة عقود، و لا يمكن في السياق نفسه أيضاً، النظر جدياً الى إتهاماته للرئيس السوري في ملف الحريري دون مراجعة مجمل السياسات السورية في لبنان.
بيد أن الملف السوري الساخن هذه الأيام لا يشكل إستثناءاً في كيفية نشوء الأزمات و إمتداد تداعياتها في المنطقة، و إنما يمكن إعتباره نموذجاً معمماً لأزمات سابقة، وربما مستقبلية، تقتضي مراجعة شاملة و على أسس نقدية بغية الخروج بنتائج و إستخلاصات واقعية لشكل الشرق الأوسط في الآمد القريب على الأقل. و لعل من المفيد أيضاً في هذا السياق التذكير بأن المنطقة تعيش إرهاصات التغيير في العالم الذي توضحت معالمه في الشمال و ماتزال منطقة الشرق الأوسط تعيش على إثرها و نتيجة لها مخاضاً صعباً و عسيراً يصعب التكهن بكيفية الولادة و نوع المولود.
فقد كانت منطقة الشرق الأوسط محكومة لنصف قرن بشروط و معادلات الصراع الكوني بين الغرب الرأسمالي و الشرق الشيوعي، إذ إنقسمت دول و شعوب المنطقة بفعل الإيديولوجيا و العقائدية بين القوتين العظمتين أنذاك، الأمر الذي ساهم في تأجيل التنمية و التحديث في المجتمعات الشرق الأوسطية و سلطت على رقابها أنظمة ديكتاتورية و شمولية متخلفة إستفادت من الصراع بين الولايات المتحدة و الإتحاد السوفيتي في تثبيت دعائمها و مرتكزاتها القائمة على حكم الفرد الواحد و الحزب الواحد و العشيرة االواحدة و الطائفة الواحدة و القومية الواحدة وغيرها.
و بعد إنهيار الشيوعية في العالم و سقوط جدار برلين وإنتهاء الحرب الباردة، كان من الضروري، ان تتغير الأمور في الشرق الأوسط، و أن يعيد الجميع مراجعة حساباته في ظل نظام عالمي جديد يتسيده قطب واحد. و بعد برهة من نشوة الإنتصار لدى الحلفاء و الموالين للغرب في الشرق الأوسط، أتت أحداث الحادي عشر 2001 من سبتمبر في نيويورك، لتغير من نشوة الإنتصار الى شعور بالقلق لدى الجميع. فالتطورات اللاحقة في المشهد الدولي،أزاحت الرماد عن جمرات ملتهبة تهدد أسس الحضارة الغربية و قيمها التاريخية، ولتكشف من جهة أخرى عن الأزمات المتراكمة في المنطقة.
ففي خضم الصراع الكوني السابق تراكمت تاريخياً في منطقة الشرق الأوسط مشاكل و أزمات نتجت عن عدم إيجاد حلول لها. فالصراع العربي ndash; الإسرائيلي، على سبيل المثال، لم ينتهي الى حل جذري و لم تؤثر تداعياته على الفلسطينيين فحسب و إنما على جميع الشعوب العربية فضلاً عن العديد من بؤر التوتر الأخرى التي كانت و ماتزال مصدر أساسي للتوتر و عدم الإستقرار كما حدث في الحرب العراقية ndash; الإيرانية التي كانت لتداعياتها و نتائجها الأثر البالغ في مغامرة الرئيس العراقي السابق في إحتلال دولة الكويت. و في هذا السياق يمكن النظر أيضاً الى الملف السوري عموماً و العلاقات السورية- اللبنانية خصوصاً، من زاوية جعل المنطقة حاملة بالآزمات و التوترات، بما يؤمن إمكانية التدخل فيها و توظيفها في مراحل لاحقة، عندما تحتاج لها القوى العظمى و تقتضيها مصالحها.
و إذا كان، إفتعال الأزمات و تصعيدها في منطقة الشرق الأوسط، تنطوي على أجندة دولية تهدف الى تحقيق مصالح إستراتيجية للقوى العظمى، فإن إستمرارها اليوم على العكس من السابق، يلحق أشد الضرر بمصالح هذه القوى و مستقبل شعوبها، في ظل حرب دولية، مختلفة في شكلها و أساليبها، تستطيع أن تطال أقصى نقطة في العالم، و بأقل تكلفة، مما يجعل من الإستقرار إحدى أهم أولوياتها كما هي لشعوب المنطقة. بيد ان، الإستقرار و الأمن، تحتاجان الى ضمانات و أجواء تحميها و تصونها، و من هنا تحديداً، يبدأ بيت القصيد في قراءة أزمات منطقة الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة الأمريكية،أدركت أن السبيل الوحيد لحل هذه الأزمات، تكمن في إشاعة الحرية و تشجيع الأفكار و التصورات، التي تسهل عملية إجراء الإصلاحات الديمقراطية في دول المنطقة، بما يؤمن مشاركة جماهيرية في رسم القرارات على المستويات الوطنية في هذه البلدان، و بما يساعد في تخفيف حالة الإحتقان و الإنسداد في المجتمعات الشرقية، والتأسيس لمرحلة جديدة تقوم على المصالح الحيوية المشتركة.
لهذا، لا بد من التوجه الى أولئك الذين يعتقدون أن، أمريكا تفتعل الآزمات في الوقت الراهن لتمرير مشاريعها بالقول، أن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية تكمن في الإستقرار و الأمن الدوليين، و خاصة في الشرق الأوسط، و ما تحركاتها سواءاً في العراق أو على الضفة السورية، سوى جردة حساب في أجندة سابقة لصالح تحقيق الإستقرار في الوقت الراهن، و هي مضطرة في هذا السياق، للعمل على إنجاح العملية السياسية في العراق، و السعي الى تغيير سلوك النظام السوري - المثير للإضطراب و الفوضى - من خلال إفراغ جيوبه من أوراق لبنان و ملفاته، و كسر أضلاعه على الحدود السورية العراقية، و دفع عملية السلام بين الفلسطينين و الإسرائيلين قدماً، صوب تحقيق دولتين مستقلتين تعيشان جنب الى جنب في أمن و سلام، بالتزامن مع دعم الإصلاحات الديمقراطية و السياسية في المنطقة، بما يحقق إعادة رسم صورة إيجابية لسياساتها في العالم.

زيور العمر

* كاتب كوردي سوري