quot;هيكل عظميquot; لحزبٍ في طور التكوين يحتضن أغلب نجوم الساحة السياسية الإسرائيلية هذه هي quot;تركةquot; ارييل شارون لإسرائيل، وأنا أقصد هنا تحديدا التركة الروحانية والأفكار الإيديولوجية التي بذرها شارون ولم يحالفه الحظ والقدر لكي يقطف ثمارها، ففي الوقت الذي يصارع فيه شارون الموت في الطابق السابع في مستشفى هداسا quot;عين كارمquot; في القدس المرض، يسارع الأطباء دماغه الذي عج حتى اللحظات الأخيرة بأفكار وخطط خفية، ماذا كان شارون سيفعل لو أنه بقي نصف عام آخر على اقل تقدير؟، ماذا لو أن شارون رحل قبل نصف عام ولم ينجز خطة الانسحاب من غزة؟.
هل كان الرجل الذي لقب بالبلدوز سينهي المسألة مع الفلسطينيين ويطبق خارطة الطريق، لو أن القدر ساعده؟. شارون ذلك الرجل الذي عزز الاستيطان والذي ظهر في أواخر أيام حياته السياسية، صاحب البر العنيف، والمزج بين العضل الحديدي والرحمة الذاتية، كما يحلو للبعض أن يطلق عليه، لم ينجح في عشرات السنوات التي لبس فيها الخوذة ولا في السنة ونصف السنة التي حمل فيها غصن الزيتون أن يجلس إلى الفلسطينيين ويحادثهم، كما يجلس الجار إلى الجار، أو كما يجلس أبن عائلة جريح إلى ابن عائلة جريح أو عراب إلى عراب بعد حرب عائلات، كما وصفه الكاتب والأديب اليساري الإسرائيلي عاموس عوز.
ولكن كل ما سبق تناوله الكثير، وأعطوه حقه في الكتابة، وهنا التساؤل مفضوح، وليس موضوعنا إن كان شارون نجح في حياته أم لا..لأني لست من دعاة المحاسبة، أو quot;التنبيشquot; في الماضي، فالتاريخ درسا وليس خطة، هذه مقولة أعلقها في عنقي منذ زمن، الذي يحير الآن..هل حزب quot;كاديماquot; سيكون قادرا على حمل quot;تركةquot; شارون والمضي بها، أم انه بات يتيما يفتقد لأب يرعاه..؟.
quot;جيل الأبويةquot; في إسرائيل انتهى بعد تأكيد الأطباء أن شارون لن يعود للحياة السياسية، لم يبق من جيل القادة سوى شمعون بيريس ابن الـ82 عاما ونصف، وبيريس شخصية تبحث عن مركز تختتم بها حياته السياسية أن جاز التعبير، ولهذا ما زال لغاية الآن مترددا بالمخاطرة والبقاء في حزب كاديما بعد خروج شارون منه وتعرضه لهزة لم تكن بالحسبان، والآن نجوم كاديما باتوا في حيرة من أمرهم، فالخيار الأول لديهم، يوقعهم بين فكي كماشة حديدية، فلو أنهم عادوا لبيوتهم، أي للأحزاب quot;الأمquot; التي جاء منها، سيؤدي ذلك لفقدان الجمهور الإسرائيلي ثقته بهم، لأن ذلك سيؤكد أنهم شخصيات نفعية تلهث وراء الكراسي لا أكثر.
الخيار الآخر، هو إبقاء أيهود أولمرت رئيسا لحزب كاديما والتجمهر حوله، وهذا الخيار أن بدا الآن ممكنا، ألا أن بعض الأعضاء في الحزب بداؤا في التململ، وأولهم بيريس الذي أعلن صباح الأحد 8/1/2005 لشبكة سكاي نيوز البريطانية أنه ليس عضوا رسميا في كاديما لكنه سيؤيد سياساته، وكما أن طبيعية الحزب واحتضانه لرؤوس الساحة الإسرائيلية سيجعله دوما في حالة من التصادم، حيث انه لا توجد شخصية مقنعة لجميع الأعضاء يلتفون حولها، كما لو أنه بقي شارون موجودا.
وكما أنه في حال بدأت الصراعات داخل كاديما لخلافة شارون، ورشح الحزب شخصية أخرى تقف في مواجهة أولمرت، فان هذا أمر لا يمكن تمريره بسهولة لطبيعة الساحة الحزبية الإسرائيلية المعقدة، فاستطلاعات الرأي العام التي تشير الآن لتقدم بيريس أو تسيبي لفني على اولمرت مشكك فيها لكون إسرائيل وساستها حاليا في حالة ارتباك، والجمهور لا يهتم بالكيفية ولا متى أو بأي طريقة سيقوم حزب كاديما بترتيب قائمته، ومن سيأتي قبل أو بعد..الخ، فهذا كله لا يهم أحد، بل أن ما يهم الجمهور الإسرائيلي هو أن يفعل الحزب ذلك بطريقة محترمة وبالاتفاق السريع.
أما إذا أخذت الحزب دائرة الصراع على الكراسي، فأنه لن يتبقى له مقاعد بعد شهرين ونصف لكي يتصارع من اجلها، فالمؤشرات جميعها تدلل أن أبواب كاديما تشهد الآن مهمة إعادة صياغة تركة مؤسس هذا الحزب بصورة واضحة، وهنا تساؤل عابر طريق، هل يدرك أعضاء كاديما ما هي الأفكار التي عصفت في دماغ شارون ويطبقوها؟. ولا يمكنهم الآن استشارة زعيمهم، طبعا لكون الوقت الآن سرقهم، فدماغ شارون معلق وعودته صعبه، بعد أن قام الأطباء بفض الأغشية الدماغية المسؤولة عن إصدار القرارات الصارمة إلى الأبد وأعلنوا انه لا يمكنه العودة للحياة السياسية. وليكن هذا مبحث آخر.

خلف خلف
رام الله