المحاولات المصرية ـ السعودية الحثيثة لإخراج الحکم السوري من مأزقه العويص الذي يکاد يکون قاتلا، ولاسيما بعد سلسلة الاتصالات الاخيرة بين قادة البلدان الثلاث، تؤکد أن الوضع السياسي لدمشق بات مهددا على أکثر من صعيد. ويکاد يجمع المراقبون السياسيون بأن بارومتر الاحداث بدأ يتصاعد بشکل غير عادي منذ الانتحار(الملغوم بالالغاز)لوزير الداخلية السوري السابق، والذي وصل تصاعده الى نقطة غير بعيدة عن quot;الذروةquot; بعد الإنشقاق المفاجئ للسياسي السوري المخضرمquot;عبدالحليم خدامquot;، والذي أحرج کثيرا القيادة السورية ووضعها في موقف صعب جدا على الصعيد الدولي. وإذا کانت السياسة الرسمية للحکومة السورية وحتى وقت قريب، کانت تسير وفق سياق(کذبquot;بتشديد الذالquot; ميليس ثم کذب ميليس حتى يصدقک الجميع) ولذلک کانت ملامح الإستخفاف و عدم الإکتراث تبدو ظاهرة في التعامل الرسمي مع لجنة التحقيق بإتجاه الإيحاء بالثقة التامة بالنفس في عدم العلاقة بقضية إغتيال السيد الحريري لامن قريب أو من بعيد، لکن إعراب السيد فاروق الشرع عن إستعداده للقاء لجنة التحقيق الدولية، يشير بشکل واضح لا لبس أو غموض فيه الى تغيير حاد جدا في الموقف الرسمي السوري وإن هناک فعلا نارا تحت رماد واقعة إغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق. ويکتسب موقف الشرع أهميته من حيث إنه کان وحتى الامس القريب من صقور القيادة السورية في المقارعة بمنطقquot;الجفاءquot; مع لجنة التحقيق الدولية، وکان يشير دوما الى أنه لو کانت هناک ثمة علاقة لسوريا بذلک الحادث، فإنها من قبل جهاتquot;دنياquot; غير مسؤولة و لا علاقة لها البتة بجهاتquot;علياquot;، وقطعا أن قبولهquot;وعلى مضضquot;بمقابلة لجنة التحقيق الدولية سوف تعطي نکهة و مسارا حساسين لقضية التحقيق من وجهة النظر الدولية. وقد يکون الزعيمان السعودي و المصري، مدفوعان للإهتمام بالملف السوري من زاوية القلق من مرحلة مابعد الاسد، أو بتعبير أوضح إحتمال تکرار السيناريو العراقيquot;الداميquot; في سوريا بکل تفاصيله و ملابساته، مما يعني إزدياد إحتمالات إضطراب الوضع السياسي ـ الامني في بلدان المنطقةquot;المتاخمة خصوصاquot;، ولاسيما وأن کلا من الرياض و القاهرة تخوضان حربا شعواء لا هوادة فيها ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة التي يبدو أنها بشکل أو بآخر قد وجدت أکثر من موطء قدم لها في البلدين. ومن الطبيعي جدا أن يتفهم الغرب عموما و واشنطن تحديدا مشاعر القلق و التوجس لدى العاهل السعودي و الرئيس المصري من التطورات و التداعيات المحتملة لإشعال الوضع في سوريا. وربما يکون سعي العاصمتين بموافقة ضمنية من واشنطن ذاتها التي تجمعها هموم مشترکة عديدة بالدولتين الآنفتين ناهيک عن أن العديد من الدوائر ترى عدم الرغبة الامريکية في الإنجرار سريعا الى مفترقquot;العصاquot; وتفضيلها لمنطقquot;الجزرةquot; في حسم الامور مع دمشق. على أن الجنوح الامريکي لمنطق حسم الامور من خلف الکواليس وبطريقة قد تقترب من أسلوبquot;الصفقات المتبادلةquot;، لن يمنع أبدا من الإنتباه الى أن صقور الحرب في الادارة الامريکيةquot;والذين لهم اليد الطولى في تسيير الادارة الامريکية الحاليةquot;، سوف لا يکترثون إطلاقا من فتح جبهة حرب أخرى متاخمة تماما للعراق وشکلت و تشکل دوما حالة قلق و توجس للإدارة الامريکية، وقد يکون من المحتمل جدا أن يساعد quot;إشعالquot; الجبهة السورية على إخماد نيران الجبهة العراقية، خصوصا وأن سوريا ستکون محاصرة بحزام من الدول المحسوبة بقوة على واشنطن(العراق، لبنان، إسرائيل، ترکيا، الاردن)، وسوف يکون المتنفس الوحيد الذي يحتمل أن تتنفس من خلاله إشتات الحکم السوري المبعثرةquot;بفرض الخيار العسکريquot;هو الاردن الذي لن يزيد دورهquot;التعبويquot; على دوره الحالي في العراق! وفي خضم تصاعد وتيرة الاحداث، تأتي مبادرة الاخوان المسلمين السوريين بالتعاون مع السيد عبدالحليم خدام لتغيير الحکم في سوريا والذي قد لا يستبعد أن يکون سيناريو آخر للمستقبل السياسي في سوريا ببصمة أمريکية غير مباشرة، هذا إذ وضعنا في الحسبان مسألة الدور الدراماتيکي للأخوان في مصر و تجاوبهم الضمني مع منطق التخفيف من حدة الخطاب الموجه ضد الغرب وإستعدادهم لکي يلعبوا دورا قد يکون مشابها لحزب العدالة و التنمية الاسلامي في ترکيا، فإن فرص طرح هکذا سيناريو للمستقبل السياسي في سوريا سوف لن يکون بمستبعد، سيما وأن الاخوان قد يکون بمقدورهمquot;إمتصاصquot;النقمة العامة التي تحمل نکهة إسلامية. وفي کل الاحوال، هناک أمر هام لابد من الوقوف عنده والتأمل في معانيه قليلا، وهو أن مسار الاحداث في سوريا في الوقت الحاضر تحديدا، لم تعد تتحلق بقضية إغتيال الحريري وإنما بدأت تتخذ سياقا مغايرا تماما يتجلى في quot;العمل العربيquot; لإحتواء الازمة بإبقاء الحکم الحالي بشروط غربية ليس أمام السيد بشار الاسد من مناص سوى قبولها و تنفيذها کما کان الامر مع صدام حسين تحت خيمة صفوان!
نزار جاف
[email protected]
التعليقات