إنها المعضلة السورية والهروب الدائم إلى الأمام، خصوصا من أطياف المعارضة التقليدية على اختلاف تلويناتها الأيديولوجية، تماما كحال السلطة في سوريا منذ انهيار السوفييت وهي تهرب من استحقاق لتجد نفسها أمام استحقاق آخر ولازالت تحاول التملص والهروب، ولم تدفع أي ثمنا لأي استحقاق إلا وهي مرغمة عليه بدء من الإفراج عن المعتقلين الذين كانوا يعدون بعشرات الألآف داخل السجون السورية في أول التسعينيات من القرن المنصرم وحتى إرسال الضباط الأشاوس إلى فيينا في العام 2005. وإذا كانت هذه الارتجالية هي السمة المعروفة الآن والثابتة في سياسة السلطة في سوريا، وهذا الأمر على ما يبدو انتقل إلى المعارضة السورية بالعدوى، هذه المعارضة التي لازالت حتى هذه اللحظة لم تستطع إنتاج بديل مؤسسي عن هذا النظام، بديل مؤسسي يستند على فهم عميق وجدي لموضوعة الانتقال السلمي نحو الديمقراطية، بديل يستند على اللحظة التي أفرزها إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي قبل ثلاثة أشهر تقريبا
والآن جاءت خطوة السيد عبد الحليم خدام لتكشف عجزا بنيويا لدى هذه المعارضة عن الاستفادة من كل الخيارات السياسية التي تتيحها الظروف السياسية المتسارعة، إقليما ودوليا ومحليا.
هذا العجز البنيوي المزمن والذي يجد أسه الحقيقي في المعاناة الطويلة من القمع والتنكيل السلطوي بهذه المعارضة، متداخلا مع خطاب أيديولوجي ينافس السلطة في قومجيته ويسرويته، وأحيانا طائفيته !! المختبئة تحت عباءة هذه اليسروية التي باتت شاذة الآن في الوضعية السورية. هذا الخطاب الذي يفرز بالضرورة زعامات فردية ذات عقلية إنقلابية بامتياز وإن هي تحدثت عن تغيير سلمي وماشابه..الخ سأعطي ثلاث مشاهد مختصرة تداخلت فيما بينها ـ مرضا مزمنا ـ ومزايدة محاكاتية منقطعة النظير جاءت على هامش حديث السيد خدام وماتلاه من تصريحات للسيد وليد جنبلاط والذي أبدى الرجل رأيه في قضية التغيير السوري الديمقراطي وقال : أنه لايمكن أن يتم مالم تستعن المعارضة بالخارج. وكانت مناسبة لرموز المعارضة التقليدية أن تتبارى في انتقاد السيد جنبلاط، دون أن تقدم بديلا حقيقيا تصريحات فاتح جاموس / حزب العمل الشيوعي / وحسن عبد العظيم / التجمع الوطني الديمقراطي..الخ وتطلب منه عدم التدخل في الشؤون السورية !! بينما لم نسمع هذا الصوت يرد على التصريحات اليومية للكثير من المثقفين العرب وغيرهم من السياسيين الذين يدافعون عن النظام السوري في المنابر العربية بحجة المؤامرة الأمريكية/ الصهيونية !! على المنطقة، ونشكر السيد جنبلاط لأنه يساعد في تصريحاته بإبقاء قضية الحرية في سوريا في دائرة الضوء ـ بغض النظر عن موافقتنا أو عدمها على تصريحاته التي نتمنى أن تكون مترافقة مع فعل مؤسسي يدعم هذه المعارضة من قبل قوى الحرية في لبنان وهذا لم يحصل وخصوصا بعد رحيل الشهيد جبران تويني !! ـ..
اللوحة الثلاثية :
1ـ معارضة الداخل : فسيفساء من المتناقضين على أبجديات الحوار عربا وأكرادا، وعجز عن إيجاد قواسم مشتركة، عادت لتضع إعلان دمشق في حالة من السبات واللافاعلية.
2ـ معارضة باريس : كل يغني على ليلاه واتهامات واتهامات متبادلة. ـ ماحدث أثناء زيارة المناضل رياض الترك لباريس ورؤيته لفعاليات المعارضة السورية هناك. وما حدث في برلين أيضا عندما تحدث أبو هشام عن القضية الكردية.
3ـ معارضة واشنطن : حداثة العهد في تجربة المعارضة ومع ذلك غير قادرين على إنجاز شكلا مؤسسيا واحدا يجمعهم فيه برنامج ديمقراطي واحد!! إقصاء وإقصاء متبادل.
4ـ إن جماعة الأخوان المسلمين : وحيدة تمارس العمل السياسي الذي من شأنه فعلا إقامة قواسم مشتركة بين جميع القوى السورية دون أن تقصي أحدا مهما كان لا في الداخل ولا في الخارج لا كرديا ولا عربيا.الخ. وهذه من مفارقات المعارضة السورية الآن. وبهدف واضح انتقال سلمي ديمقراطي لا إقصاء فيه لأحد.رغم كل ملاحظاتنا وخلافنا معهم لكنها من وجهة نظرنا حقيقة واضحة.
التناقض الوطني الديمقراطي بين السلطة والمعارضة :
إن وحدة الخطاب حول مفهوم الخارج والتدخل الخارجي، والمشروع الأمريكي يجعل المواطن السوري متلق لنفس الشحنة القيمية والأيديولوجية ونفس طرائق إيصالها، في شبكة ملفوطات واحدة. والتناقض يتجلى في أن الفارق بين الخطابين في الممارسة السياسية : السلطة ترسل نفس الخطاب لتحسين شروط استمراريتها في نهب البلد والبقاء سيدة وحيدة التصرف في مقدراته، والمعارضة ترسل نفس الخطاب وتتمنى أن يزداد الضغط على النظام وأن يتبناها المجتمع الدولي كما هي لاكما هي مصالحه أيضا. مما يوقع المواطن السوري في حيرة ويجعله يفضل النظام على المجهول الذي تضعه أمامه السلطة والمعارضة معا.
وبالتالي عندما يقول أحد الباحثين أن 40% من الشعب السوري على الأقل مواليا للرئيس بشار والمعارضة ضعيفة ومنقسمة : هذا صحيح بامتياز. ولكن ماهو المخرج ؟؟ هذا هو السؤال ؟
غسان المفلح
التعليقات