بداية لابد من التفريق ما بين علاقة الصداقة والمعارف العامة، فالمعارف العامةالخفيفة ضمناطار العمل والاحزاب والجمعيات والمنتديات أو منطقة السكن ضرورية على الصعيد العملي والانساني، بينمامعنى الصداقة مختلف كلياًوخصوصاً في المجتمعات العربية فعلاقة الصداقة تتخذ شكل الاجتياح الكامل للوقت والخصوصية والاستقلالية وتنتهكحدود كل شيء في طريقها.





تقوم علاقة الصداقة في المجتمعات العربية - غالباً -من اجل تلبية حاجات سايكولوجية مشوهة بعيدا عن المفهوم السوي لهذه الرابطة الهامة في حياة البشر،فوفق مفاهيم التحليل النفسي تأخذ الصداقة شكل (( أما الاخر هو أدنى مني، وأما أعلى مني ))... وللاسف يغيب عنها علاقة المساواة والندية والاعتراف بأنسانية الاخر كما هوبعيداً عن الاسقاطات النفسية المريضة عليه.




فالشخصالمصاب (( بالماسوشية )) نجده دائمايقيم علاقة صداقة مع من يعتقد هو أعلى منه كي يشبع حاجاته النفسية (( الماسوشية )) - بمعناها الشامل وليس الجسدي- في الخضوعللاخر الاعلى والانقياد له والتخلي عناستقلاليته أمامه، فهذا الشخص المريض لايستطيع اقامة علاقة صداقة متوازنة متكافئة ندية مع الاخر، والجدير بالذكر ان هذا النمط (( الماسوشي )) الذييتصف سلوكه بالاستلذاذ بالخضوع سرعان ما يتحول الى متسلط (( سادي )) مع من يشعر به انه أدنى منه .





والنمط الاخر هو (( السادي )) - بمعناه الشامل وليس الجسدي- اذ يتصف سلوكه بالعدوانية والتسلط وبالتالي يبحث ان الاصدقاء الذين يشعر انه أعلى منهم ويستطيع اشباع نزعة التسلط والدكتاتورعبر اخضاعهم لسلطويته، وهذا (( السادي )) سيتحول الى ((ماسوشي )) خاضع عندما يحاصره شخص أكثر سادية منه وتسلط وهكذا تتم اللعبة العجيبة داخل الانسان.





يندر وجود الافراد الذين يستمتعون بالتجوال اليومي والذهاب الى المقاهي والمسرح والسينما، والقيام بسفرات طويلة بمفردهم دون الحاجة الى صحبة شخص ما كالصديق وغيره، وهذا الخلل في النمو النفسي لدى المجتمعات العربية يعكس غياب الاستقلال النفسي والنضج في هذه المجتمعات.. لهذا تجد علاقة الصداقة هي عبارة عن اتكال عاطفي على الاخر واستثماره كجسر لاشباع الحاجات النفسية المريضة.





والمؤسف ان يتم النظر الى هذا النمط المريض لعلاقة الصداقة على انه النموذج الامثل للاخلاص والوفاء والمحبة، ويصبح المرض هو المعيار السليم المقدس لدى المجتمع !




مواصفات الصحة النفسية السليمة تطالب الفرد بالعمل على تنمية الاستقلال النفسي عن الاخرين، وإمتلاك القدرة على الخروج من البيت والتجوال في المدن والاماكن العامة كالمقهى والسينما والمسرح والمكتبات العامة والسفر بمفرده وحده، وان يشعر بالاستمتاع بهذا الاستقلال والتصالح مع نفسه بدلا من الهروب منها واللجوء الى الاخرين ، فلايوجد أفضل من صداقة الانسان لنفسه، وكلما قلل الانسان من عدد اصدقائه كسب وقته وحريته وراحة باله وتخلص من انتهاك الاخرين لحياته.



وحتى لايغضب عليّ أصدقائي فأنا لديّ علاقة صداقة - رغم قلتها- الا انها تتصف بالنضج والطابع الانساني واحترام حق الاختلاف والخصوصية.

خضير طاهر

[email protected]