تأريخ بافراده ام باهدافه..!!

اذا كانت هناك مؤسسة من مؤسسات الدولة، قد تعرضت صورتها للأهتزاز والتشوه، فهي مؤسسة (الجيش العراقي) المؤسس في السادس من كانون الثاني 1921 من قبل اول دولة عراقية وطنية في العصر الحديث، وعلى اعقاب الاحتلال البريطاني للعراق عام 1917، جيشا افراده عراقيون، قادته عراقيون، جلهم من القادة العسكريين الذين قاتلوا في صفوف القوات العربية التي قادها (الشريف حسين) في اكثر من مكان، للخلاص من هيمنة quot;العثمانيينquot; على البلاد العربية ومنها العراق..!
جيش كانت لحمته وسداه من ابناء هذا الوطن، من فلاحيه ومن عماله، من جميع طبقاته الاجتماعية؛ الكادحة والمتوسطة والغنية على السواء. جيش بني اساسه على حب الوطن والاخلاصله والدفاع عن حدوده..! تلك كانت قاعدته الفكرية ومنطلقاته السياسية، وقد جسد كل ذلك، في الشعار ذائع الصيت، التي كانت تنادي به الجماهير في مسيراتها العارمة عبر تأريخ العراق الحديث؛ ايام الملكية وحتى ايام الجمهوريية، الشعار الذي لازال يرن في آذان الذين عايشوا تلك الازمان..انه الشعار الخالد ؛ (عاش تضامن الجيش ويه الشعب)..!!
هذا الجيش قد قدم ابطالا ميامين.. قادوه في ميادين الكفاح ضد الصهيونية في حروب،1948، 1956،1973 وقدم العديد من الشهداء، وكان وفيا لأخوته العربية والقومية في سوح القتال..! الجيش الذي له ان يفخر بان احد ابنائه الميامين وهو _عريف صف في احدى وحداته في الناصرية_ كان اول من اطلق النار على احد رموز الاحتلال البريطاني quot; العقيد جيفرزquot;، الحاكم العسكري في الناصرية في عام 1941.
الجيش الذي سطر اسمى آيات البطولة والجرأة، عندما فجر الثورة الوطنية (ثورة الراع عشر من تموز عام 1958 بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم..!! منهيا بذلك عهدا من الهيمنة البريطانية والاحتلال العسكري المقنع..!!

هذا الجيش الذي في تأريخه الوطني، سطر صفحات رائعة من الاخلاص والوطنية..؛ قد شوهت واهتزت صورته تلك، بفعل طموحات الطامعين بالسلطة، والمتسلطين على مقدرات الحكم ومن الذين ارتبطت مصالحهم من قريب او بعيد، بالاستعمار، فأحالوه من مؤسسة في خدمة الوطن والشعب، الى مؤسسة قمعية رغم أرادته؛ بعد ان ساموا خير ضباطه وقادته الشرفاء سوء العذاب، من سجون وتشريد واعدامات..! وسخروه آلة قمعية في ايديهم لقمع انتفاظات الشعب؛ كردا وعربا واقليات؛ قومية اودينية...!؟ بعد ان نصبوا قادة عليه من الاميين واللأمعيين ؛ من الاقارب والانتهازيين ومن كل من لا تهزه شيمة وطنية ولا غيرة على ابناء الشعب..!! لقد أحالوه الى quot;ثكنة فاشيةquot; لا تعرف الا القتل والتدمير...!؟ لقد ساقوه رغم انفه، الى ساحات قتال ليست ساحاته وحروب ليست حروبه..؟؟!! اذاقوه الهوان والاذلال..؟؟!! زرعوا الارض باجساده الطاهرة (مقابر جماعية)، واغرقوا شعبه، آلاما ورايات سود،.. احالوه الى دمية لا تبصر ولا تنطق..!!

للاكراد وللعرب وللتركمان ولللاشوريين والكلدان ولكل الاقليات الاخرى قومية كانت ام دينية، كل الحق ان تهتز صورة هذا الجيش لديهم، وان يروا فيه كل ما يجسد الظلم والاظطهاد، وهم معذورون لو تناسوا الابطال من ابنائهم ممن خدم في صفوف هذا الجيش جنبا لجنب..، أمثال القائد البطل (عمر علي)، او امثال خالد النقشبندي عضو مجلس السيادة في ثورة الرابع عشر من تموز، وطه الشيخ احمد، وسعيد الشالي، ومهدي حميد وغيرههم الكثير من القادة والضباط المناضلين..خير مثال على تمازج مكونات الشعب العراقي مع بعضها البعض في المعارك الوطنية من خلال المؤسسة العسكرية..!!؟ فقد كان للدكتاتورية، بجبروتها وطغيانها، ان تزهق ليس الارواح بل وان تغشي الابصار.. للاكراد كما وللعرب وسائر الاقليات، القومية منها والدينية الحق نفسه فيما يضنون ويعتقدون....!
الدكتاتورية؛ قد احالت هذا الجيش الى مؤسسة مسخ، ولكنها عجزت من ان تمحي تاريخه الوطني، وولائه لشعبه أو الصفحات الناصعة من تأريخه...! لقد فشلت ان تحيل ابنائه الميامين الى مجرد رموز ممسوخة تقاد بالاشارة، كما هو حال القادة المنصبين، من امثال quot;علي الكيمياويquot;او quot;حسين كاملquot; وامثاله الاخرين..
لقد لقن ابناء هذا الجيش الغيارى، كل ( رموز) الديكتاتورية الصدامية الفاشية، من quot;ضباط وقادة عسكريينquot;، درسا تاريخيا لا ينسى، في انتفاظتهم الجسورة آذار/ 1991 في الجنوب والوسط وفي كردستان، وتمردهم على رموز الدكتاتورية من قادة وضباط، بل ولقد شارك العديد من الضباط ذوي الشعور الوطني، جنبا الى جنب مع الجنود المنتفظين، وبأسناد من المواطنين...! مجسدين الشعار الوطني لتضامن الجيش والشعب، والشعار التاريخي ( كرد وعرب فرد احزام) شعار الوحدة الوطنية في النضال ضد الاستبداد..!! ولعل (الخزرجي) شاهد حي على ذلك. شاهد على شهامة المنتفظين..!!

لقد اثبتت الانتفاضة بان الجيش العراقي ليس حكرا على الديكتاتورية وان امجاده الوطنية والقومية، تظل نبراسا له وشاهدا على وطنيته..!! وان الشهداء الابرياء من ابنائه، من جنود، وضباط صف، وضباط.. والتي ازهقت ارواحهم الديكتاتورية بسبب مواقفهم الوطنية..!! تبقى منارا وأرثا نبيلا لهذا الشعب الكريم.

لقد عجزت الدكتاتورية ان تزهق التاريخ الوطني لهذا الجيش، رغم تدنيسها لهذه المؤسسة، ورغم محاولاتها مسخ القيم الوطنية التي تربى عليها افرادها من كادحي الشعب افرادا وضباط. الا رموزها من قتلة وسفاحين..!! فهولاء لا قيم عندهم ولا اخلاق..!!

وبضربة واحدة، وبمجرد قرار مسطر على الورق، وبجرة قلم مشبوه امسك به quot;بريمرquot;..!؟؟، ازهقت حياة هذا الجيش في نيسان من عام 2003 وسرح مئات الالوف من ابنائه؛ بذريعة المحتلين ومؤازرة الغاضبين والمتوجسين..!!؟؟ اما روحه الوطنية، فظلت مستعصية على المتخاذلين..! اما quot;الجيشquot; الذي يبنى منquot; جديدquot;، فمشدود_ شاء ام ابى _ الى تلك الروح، حتى لو حاول المتسلطون تجريده منها....! فهو من نسيج هذا الشعب، من ابناء نفس الكادحين والمقهورين..!!

لقد مرت قبل ايام ذكرى هذا الجيش الوطني، ولم يقف من ينصف شهدائه، او يتذكر تاريخه، بما يعيد ذكرى بسالته ووطنيته التي سلبتها الديكتاتورية والمحتلون..!!؟؟
ان جيوش الدول ليست ملكا للحكام، وان لحمة الجيش هي من ابناء الشعب من الكادحين.. ! اما جيش الدكتاتورية، فما هو الا فلول من المرتزقة والسفاحين من خدمة القيصر والديكتاتور.. المسلطين على رقاب مئات الالوف من ابناء جيش الشعب الغيارى من ابناء الكادحين..!!

يكفي الجيش العراقي فخرا ان ينتصب عاليا كالمنار، نصب الفقيد الشهيد ( الزعيم عبد الكريم قاسم )، التي اصبحت رتبته العسكرية جزءّ من اسمه ؛ ينتصب في قلب بغداد، في شارع الرشيد،؛ متحديا، جميع الغادرين والنصابين...!! يكفي هذا الجيش فخرا، ان نصب (الجندي المجهول)، نصب شهدائه والمفقودين من ابنائه، يقف شامخا رمزا لهذا الجيش العظيم..!! ويبقى للغاضبين حقهم، في الاستنكار من جراء ما لحقهم من ظلم واضطهاد، على يد المتسلطين على رقاب ابنائه، من زمر القتلة، الذين ساموا الجيش والشعب _ على السواء _ سوء العذاب، والذين سخروا هذا الجيش الى اداة قمع واضطهاد... !! لقد سرقت الديكتاتورية امجاد الجيش وسيرته على مشيئتها، مثلها مثل غيرها من الحكومات المتسلطة التي استخدمته، بل وحرفته عن المهام التي حددها له الدستور.
ان هذه المؤسسة الوطنية، التي لها ما لها وعليها ما عليها، شانها شان اية مؤسسة اخرى فاعلة وتأتمر بامر الحكام، فلقد ضاعت في زحمة التشويهات تلك المحطات الناصعة، ليس فقط في تأريخها، بل وفي عموم تأريخ الدولة العراقية..! نعم ليست صفحة الجيش العراقي نظيفة تماما، ولكن هذا لا يعني ان نجعل من تنفيذه لأوامر صدرت عن قيادات سياسية انطلقت من مصالح وأرتباطات أقليمية ودولية، وهذا لا يجب ان ينسينا ظروف الحرب الباردة وصراع المعسكرات وغير ذلك مما لا يمكن الغاء تأثيره على سياسة الدولة العراقية وبالتالي استخدامها للادوات السياسية والعسكرية المتاحة، ان هذا لايعني ان ندير ظهورنا لهذه المؤسسة، - بكل أيجابياتها وسلبياتها- وكأنها لم تكن من لحمة هذا الشعب وكيانا حقيقيا للوحدة الوطنية، ورمزا من رموز السيادة الوطنية....
اليس هو من كنا ندعوه.. جيش الشعب...!!؟؟


باقر الفضلي
[email protected]