يبدو ان الضربات تحت الحزام قد أصبحت في الاونة الاخيرة السمة المميزة للصراع الدائر بين الولايات المتحدة وايران. ففي الوقت الذي تمكنت فيه ايران ان توجه ركلة قوية الى الادارة الامريكية عن طريق التأثير بشكل فعَال في سير العملية الانتخابية في العراق وبالتالي في نتائجها الى الحد الذي أصبح حال هذه الادارة كحال ( بلاَع الموس ) او الشفرة، إن استمرت في بلعه فهي مصيبة وإن أعلنت عن ذلك في هذه الظروف ورفضت بلع الموس فالمصيبة اعظم. لكنها على ما يبدو اختارت على مضض الحل الاول على ان تُجري لاحقا الجراحة الضرورية لاستئصاله.

لكن الادارة الامريكية لم يفوتها ان تترك النظام الايراني يشرب منتشيا نخب الفرح بنجاحه في دفع موس الانتخابات العراقية الى جوفها حيث كانت وكأنها الثور الهائج الذي يتلوع من تلك الشفرة تُحضر لذلك النظام ضربة قوية وجهتها الى حليفه الاستراتيجي النظام السوري عن طريق القيادي العتيد فيه عبد الحليم خدَام الذي شقَ على حين غرَة عصا الطاعة على النظام الذي خدمه عقودا ليعلن عن استعداده لكي يُصبح شاهدا على إعدامه. وهكذا أحس المصارع الايراني بالهيجان ايضا وهو يشاهد ان رفيقه وشريكه المصارع السوري قد فقد قطعة القماش الحمراء التي يراوغ بها في مصارعته للثور الامريكي وان هذا الثور قد أصبح قاب قوسين او ادنى من ان يملص رقبته.

هكذا هبَ النظام الايراني محاولا نجدة حليفه وبالتالي نفسه وفي خطوة هدفها تخفيف الضغط على المصارع السوري أعلن هذا النظام عن قراره في كسر الاختام والشموع التي قد وضعتها وكالة الطاقة الذرية الدولية على بعض منشأته النووية ليستأنف نشاطاته في مجال تخصيب اليورانيوم.

ان التساؤل الذي يطرح نفسه يكمن في هل ان ايران قد أوقفت فعلا كل نشاطاتها في تخصيب اليورانيوم طوال هذه الفترة لكي تقرر إستئنافها الان ؟ وهل ان وضع الاختام والشموع على بعض المنشأت النووية هو كافيا، لكي ينام الجميع ( رغد ) في ان كل شئ قد أصبح تحت السيطرة، في عالم اليوم الذي بات فيه الصدق في السياسة عملة نادرة؟ ثم هل ان النظام الايراني الذي أحسن استخدام ورقة التخصيب عاجز عن أن يعي ان هذه الورقة يمكن ان تأتي بنتائج افضل وتُصبح ورقة ضغط اقوى عندما تقطع عملية التخصيب من الناحية التقنية مشوارا كبيرا؟ هل أصبحت القيادة الايرانية بتلك السذاجة حالها حال النظام العراقي السابق فقررت في هذه الظروف الدولية المعقدة ان تفتح ابواب معركة خطيرة مستندة على قاعدة من الرمال حيث ان قرار إستئناف التخصيب بالنسبة للكثيرين ليس إلا اعلانا بالرغبة في امتلاك السلاح النووي. وهل يتحمَل عالم اليوم ان يتلقى بلاغا من كائن من كان ( خاصة اذا كان من المارقين ) يعلن فيه عن نيته في استئناف مشاريعه لامتلاك السلاح النووي على ان يُكمل مشروعه بعد كمِ من السنين ام ان هذا الذي يُصدر البلاغ قد خرج من عنق الزجاجة في مشروعه هذا وليس إعلانه سوى اشارة انه قد قطع مرحلة اخرى متقدمة على هذا الطريق.

ان مشروع امتلاك السلاح النووي هو مشروع متكامل و محسوب في زمنه كما ان القيادة السياسية التي تتولى الاشراف عليه تتخذ قرارا حاسما في الاستمرار به حتى تحقيق النتائج او التوقف كليا عنه ولذلك لايمكن من حيث الامور الفنية ان يكون عرضة لتقلبات بعض القرارات السياسية فيتوقف العمل به اليوم ويستأنف غدا! اما الاختام والشموع التي وضعتها وكالة الطاقة الذرية فان الوكالة وموظفيها هم اول من يعرف ان تلك الاختام والشموع تؤكد فقط ان رواتبهم ومخصصاتهم قد أصبحت بها حلالا زلالا لانهم قد قاموا بواجبهم، لان المنشأت التي وِضعت عليها تلك الاختام والشموع قد اصبحت منشأت نووية للاغراض الاعلامية حتى ان النظام الايراني نفسه كان قد وضع اساسا قسما منها في قائمة الخسائر كاهداف مستهدفة من قبل الادارة الامريكية واسرائيل. ولذلك فمن السذاجة ان يتكرر الحديث يوميا مثلا عن مفاعل بوشهر والوقود فيه في الوقت الذي لاتنظر فيه القيادة الايرانية الى هذا المفاعل إلا كواجهة اعلامية لاتأمل منه ان يقدم مجهودا ضخما من الناحية الفنية للبرنامج النووي الحربي الايراني.

يُخطئ من يظن ان الادارة الامريكية تهدف من وراء تكثيف الضغط على النظام الايراني الى حمله لاعلان تخليه عن برنامجه النووي بل ان هذه الادارة تبغي من وراء حصر هذا النظام في الزاوية الضيقة الى تركه يستعجل الاعلان وبالفم المليان عن امتلاكه لاسلحة ردع استراتيجية ومنها الاسلحة النووية كما ان هذا النظام اصبح يُدرك جيدا حاجته الماسة الى هذه الاسلحة طالما ان رأسه مطلوب في كل الاحوال. ولذلك وفي ضوء هذه الظروف الدولية حيث انقاذ رقبة النظام السوري بات يحتاج الى معجزة الهية وان سقوطه يتوِج النظام الايراني رسميا على رأس الاهداف الامريكية، كما ان وجود اكثر من مئة ألف جندي امريكي في العراق لن يترك الرياح السياسية في هذا البلد تسير على هوى القيادة الايرانية الى المالانهاية فان حاجة النظام الايراني الى القنبلة النووية ايا كانت مواصفاتها من الناحية الفنية قد اصبحت على مايبدو اشبه بحاجة الكائن الى الخبز من اجل البقاء.

يبقى السؤال الكبير عن الساعة التي ستختمر فيها هذه العجينة ويعلن الخباز الايراني عن نجاحه في وضعها في الفرن الرهيب ام هل ستنجح الادارة الامريكية وحلفائها وتحت جنح الظلام من سرقة العجينة ووعائها في اللحظة الاخيرة من الوقت الضائع؟

الدكتور وديع بتي حنا

[email protected]