في كل مرة يعود فيها الملف الإيراني نوويا إلى واجهة الحدث الدولي والإقليمي نتساءل مباشرة متى سيعود هذا الملف إلى خزائن الهيئة الدولية للطاقة كجزء من أرشيفها الذي لم يعد يحوي سوى أوراق ملفين نووين الكوري والإيراني وإذا كان الملف الكوري قد حمته الصين من خلال إخراجه من أروقة مجلس الأمن سواء تلميحا أو تصريحا، وأبقته في عهدة اللجنة السداسية، فإن الملف الإيراني ينتظر لجنة خماسية أو سداسية أو ثنائية أمريكية إيرانية!! كي يبتعد شبحه عن مجلس الأمن نهائيا وإلى غير رجعة، ومن يعطل هذا هم الإيرانيون أنفسهم فهم لايريدون أن تقوم روسيا بماقامت به الصين في الملف الكوري. إيران تدرك أكثر من غيرها أن هذا الملف ليس له حظا في النجاح حتى لو أدى هذا الأمر أن يتدخل الحلف الأطلسي عسكريا لمنع إيران من إنتاج سلاح نووي ودون الرجوع لمجلس الأمن!!
والسؤال الذي يبقى مطروحا؟ هل إيران الملالي تريد سلاحا نوويا من أجل مواجهة الدول النووية الكبرى أم من أجل أجندتها الإقليمية حصرا؟
أظن أن تثبيت الأجندة الإيرانية أقليميا بشكل عام وعراقيا بشكل خاص كفيلة بأن تجعل هذا الملف يتحول إلى أرشيف في فيينا وإلى خردة وبقايا منشآت في إيران. سلطة الملالي في إيران تعتقد استراتيجيا أنها تواجه نفوذا أمريكيا في المنطقة ونفوذا إسرائيليا متزايدا!! وتدرك أيضا أن مواجهة هذا النفوذ لايتم دون حدوث هيمنة أقليمية إيرانية في الخليج في لبنان وفي العراق الكنز المرصود!! ولايتم عبر بناء سلاحا نوويا هو محتجز سلفا في قرارات مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة.
وبعيدا عن هذا الخطاب الجهنمي للرئيس نجاد حيال إسرائيل التي لايريد وصولها إلى العراق لاعبر العرب ولا عبر الأكراد، ليس لأن هذا الوصول يشكل خطرا على إيران بل أيضا لأنه يشكل حدا لنفوذ إيران الفعلي والمرتجى مستقبلا في المنطقة وللأسف من يحد من تطور النفوذ الإيراني هم الأمريكان والإسرائيلين!! وليس العرب أو الدول الأقليمية الأخرى!!
أمريكا من خلال تواجدها العسكري والسياسي المباشر وإسرائيل من خلال وجودها في المنطقة كدولة لها مصالحها الاستراتيجية من جهة وتسعى دوما لعدم امتلاك أية قوة إقليمية لسلاح نووي مهما كانت!! بينما لايمكن الحديث بنفس الطريقة عن الدول العربية التي لايوجد لديها أجندة مصالح استراتيجية لدولها بل أجندة تضيق بمصالح سلطاتها فقط!
وهذا ينطبق جزئيا على سلطة الملالي في إيران كسلطة مؤسساتية ـ شئنا ذلك أم أبينا ـ بالمعنى النسبي للعبارة، هذه المؤسساتية هي التي تغيب عن لوحة السلط العربية، لأن المؤسساتية هي التي ترسم استراتيجيات الدول وليس أشخاصا رؤساءا أو ملوكا أم عائلات.
وبالعودة إلى الزوبعة الأخيرة ورفع الأختام عن ثلاث من المنشآت الإيرانية من قبل سلطة نجاد كي يتم العمل على تخصيب اليورانيوم لأجل الغايات السلمية كما صرح بذلك الرئيس نجاد في كلمته الأخيرة، وكما صرح أحد أعمدة النظام الإيراني الرئيس السابق رفسنجاني من أن من حق إيران امتلاك تكنولوجيا نووية لأغراض سلمية، وسيندم من يفكر بمعاقبة إيران.
العراق أولا؟
أن تصر إيران على امتلاك تكنولوجيا نووية أمر مهم جدا بالنسبة لها وتتمنى حدوث ذلك سواء لأغراض عسكرية أو مدنية، لكن المشكلة ليست هنا لأن إيران تدرك أن الملف النووي هو ضمن أجندة متكاملة سياسية بالدرجة الأولى إقليميا ودوليا. ومن ضمن هذه الأجندة هو تزايد وتثبيت النفوذ الإيراني في العراق مستبقة أي إجراء أمريكي أو دولي أوحتى عراقي ضد تثبيت هذا النفوذ الإيراني، وتأتي قضية حزب الله والتحالف مع سوريا في نفس الأجندة الإيرانية. بات لإيران الآن ركائز قوية في العراق ولايمكن تجاوزها أبدا في رسم مصير هذا البلد وتلك كانت خطيئة أمريكية ودولية بامتياز ولايمكن تجاوزها بفتح الملف النووي الإيراني والذي هو في النهاية لن يكون سوى خردة وأرشيف على الطريقة الليبية والعراقية سابقا.
وعلى المجتمع الدولي أن يصلح غلطته في العراق ويساعد من أجل قيام عراق ديمقراطي علماني حقيقي، لأن الفائزين الآن في الانتخابات العراقية في الجنوب خصوصا والعراق عموما غالبيتهم هم من الذين يقفون الآن في المنطقة الوسطى بين المشروع الأمريكي والمشروع الإيراني..لكن الانتخابات القادمة في حال استمر وضع العراق على ما هو عليه:
ستكون النتائج مذهلة لصالح التيار الإيراني داخل قوائم الأئتلاف في العراق..!! رؤية القيادات الشابة الآن في الجنوب وأعضاء المجالس المحلية يعطي مؤشرا ليس قليلا على هذا الأمر..
وليس الكلام عن قيام قاعدة سنية في سورية لمواجهة قاعدة شيعية عراقية إيرانية يأتي من باب الدعابة بل من باب الخوف الإيراني.. وهي عبارة عن فزاعة ليس إلا كي تتوطن إيران في العراق وسوريا ولبنان ـ رغم أن الشيخ نعيم قاسم مساعد الأمين العام لحزب الله كان قد صرح أكثر من مرة ردا على تيار المستقبل وحركة 14 آذار بأنه ضد أي تدخل أجنبي في الشؤون اللبنانية!!! وبذلك لا خوف بعدها على سلطة الملالي من أي تغيير مدني ديمقراطي داخلي.. والذي هو الخوف الحقيقي لهذه الأجندة الإيرانية..


غسان المفلح