أنظمة وقوانين الجنسية التي تم تطبيقها مؤخراً في بعض دول الخليج العربي حرمت الكثيرين من محبي هذه الدول أن يحملوا جنسيتها، حقيقة واقعة أصابت العديد من المقيمين بالإحباط لإستمرار النظرة الدونية لكل ماهو غير خليجي رغم أن الكثير منهم يشعر بالانتماء والحب والولاء والوطنية.

لقد مر أكثر من عام على تطبيق هذه الأنظمة والقوانين، ولم يتم تجنيس إلا عدد قليل جداً وهذا يعني أن الأنظمة والقوانين الجديدة تم تفصيلها على فئة محددة جداً من البشر، ورغم طول فترة البحث والدراسة إلا أن المستفيدون من تلك الأنظمة والقواين فئة قليلة جداً، فهل الإعتبارات الأمنية هي الفيصل في الأمر أم أن هناك إعتبارات أخرى، ولهذا يتم التعامل مع كل حالة على حدة وفق مبررات معينة ودراسات وإحصائيات تتولى فيها الدولة تحديد عدد المستفيدين ونوعيتهم المهنية ومتطلباتهم.

إن العمل على مشروع تجنيس بعض المقيمين في بعض دول الخليج العربي أخذ من الدراسة أكثر من أي مشروع آخر، أما النتائج فهي أقل بكثير من حجم الدراسات والوقت الذي إستغرقته وكانت الحجة أن التجنيس في حد ذاته يؤثر على التركيبة الديموغرافية السكانية وبالتالي تتأثر وتؤثر في طبيعة المجتمع وتجاهل المعدون لهذا النظام، سرعة التطور والتغيير في المجتمع من خلال القنوات الأخرى والتي تعتبر أكثر تأثيراً وأكثر خطراً من الإهتمام بجانب التركيبة الديموغرافية عن طريق التشدد في أنظمة وقوانين الجنسية.

ولهذا نرى أن بعض هذه الدول غير معذورة في تطبيق سياسات متشددة في التجنيس وفي وضع وتطبيق سياسة سكانية وتبني إستراتيجيات وبرامج وخطط وإجراءات متعددة وصارمة من خلال وضع أهداف كمية ونوعية قابلة للمتابعة والقياس والتقييم الموضوعي وكأن هذه الدول داخل مختبر صغير لدراسة الجينات وآثار التزاوج بينها وماسوف يترتب عليها من سلوك متوقع الأمر الذي يناقض طبيعة وسرعة التطور الذي يعم سائر القارات في الكرة الأرضية.

ومهما حاولت الدول في سعيها الدؤوب لتبني سياسات للعمل بموجبها كي تستقر نسبة من المهاجرين وتحدد بناء على قدرة الدولة على الاستيعاب والاندماج وتبني سياسة سكانية بعيدة المدى تأخذ حتمية تجنيس عدد من الوافدين، فليست هناك هجرة لم تترك أثرا بشريا وثقافيا، ويمكن أن يكون ذلك الأثر إيجابيا إذا كانت سياسة التوطين في حدود الاستيعاب والقدرة على الإدماج والاندماج الحقيقي في المدى البعيد ولكن التشدد في تبني سياسات وأنظمة تحد من الإستفادة من العناصر البشرية الفعالة سيجعل هذه الدول تراوح مكانها إذا لم تحاول الإستفادة من هجرة العلماء اليها بل وتوطينهم فيها.

ومهما حاولت الدول من خلال المجالس الوطنية والإقليمية والمركزية في تبني وتنسيق السياسة السكانية ومتابعة أدائها، وتقييمه بشكل منتظم ومستمر وتوفير جميع الأدوات وتوظيف الآليات القادرة على تحقيق الأهداف الكمية للسياسة السكانية إلا أن ذلك لن يخلق مجتمع مثالي أو ذو صفات معينة ولن تستطيع أي دولة من تحقيق هذه الطموحات لأنها في الواقع تعارض النمو الطبيعي للأجناس البشرية ولن تحد من الهجرة الطبيعة والتزاوج الطبيعي بين البشر.

وبدلاً من إيجاد سياسات مبنية على إستراتيجيات كي تعالج الخلل السكاني في هذه الدول رغم الحاجة الماسة لذلك إلا أن بعض هذه الدول تتبع سياسات متشددة كي يزداد الخلل السكاني تفاقماً، ولن تستطيع هذه الدول من إيقاف الزحف المتقدم نحو الخليج طالما هناك قطرة بترول واحدة يمكن الإستفادة منها في تزويد الطاقة العالمية.

ولكن الجميع سوف يغادر هذه المنطقة إذا نضب هذا المعين إن لم يتم توطين جزء منهم ليعملوا في مجالات يمكن الإعتماد عليها لتحقيق إيرادات تتبنى وسائل الإنتاج والتصنيع والتكنولوجيا وبالتالي هذه الدول بحاجة أكثر من غيرها لتفتح المجال لإستقطاب العلماء ورجال الأعمال والإستثمارات في شتى المجالات حتى يكون هناك نهضة شاملة تعتمد على العنصر البشري أكثر من إعتمادها على مصدر لابد أن ينضب يوماً ما، لتستمر الحياة على هذه البقعة الهامة من العالم.

صحيح أن التجنيس قرار سيادي والدولة تمنح الجنسية وفق شروط تعتمد على دراسات وإحصائيات، ولكن ليس بمثل هذا التشدد الذي لو كان فيه خير لقامت الدول المتقدمة في العالم بتبنيه، بل يجب أن نسير على خطى الدول المتقدمة التي إستفادت كثيراً من أنظمة الجنسية التي تطبقها، ولهذا يمكن القول أن العلماء أصبحوا غرباء في بلاد الإسلام ليتوطنوا في بلاد الغرب وما سر تقدم الدول الكبرى إلا بسبب هجرة العلماء لينعموا بالحرية والعدالة والديموقراطية التي نادى بها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان.

وقد قال بعض الرحالة العرب عندما سأل عن الغرب quot;وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمينquot;، ولذا يمكننا القول أن الإسلام أصبح غريباً في بلاد المسلمين وتوطن في بلاد الغرب لدرجة أننا ننعت المسلمين من غير المواطنين في دول الخليج العربي بالأجانب، ولهذا يمكننا القول أن دول الخليج تتبع مقولة quot;حب أو لاتحب فأنت أجنبيquot;.

مصطفى الغريب

شيكاغو