القاضي رزكار أمين نموذجا
إن كل تغير وتجديد سيواجه مقاومة بطبيعة كون التجديد سيأتي بالشيء الغير مألوف فما بالنا عند تغير نظام بأكمله طغى فكره الواحد الشمولي على كافة نواحي الحياة والنشاط الإنساني في العراق خلال أكثر من أربعون عاما. إن تغيرا من الدرجة الثانية في سلوك أبناء الرافدين سيحتاج الى جهود كبيرة وصبر فلا زال العديدين لا يرون ثمار التغير بل سلوكهم بالكامل نتيجة مباشرة لتأثير تلك السنون والممارسات القمعية الفكرية. ناهيك عن كل ذلك فان الشعب الذي تربى خلال تلك السنين على عدم البوح بأسراره او حتى الحديث في البيت أمام أبناءه عن شجونه وأفكاره المعارضة لخندق الحزب السياسي الحاكم لا يزال لا يرى ان ذلك الحاجز قد زال والى غير رجعة. وربما يهمس بين نفسه ونفسه أسراره مدعيا ان للجدران آذان يسمعون ففيها تعشش الفئران.
هذه الأجواء وغيرها التي جعل المواطن العادي لا يؤمن بالسياسيين وأقوالهم وأفعالهم بل يرون ان دورة الزمان يفعل فعلته ويعود إلى الظهور كأبطال بعد حين. في هذه الأجواء ألمرعبه يأتي قاضي من أصول كوردية ليقلب موازين السلوك والعادات والأعراف المتأصلة حيث مبدأ العنف وحكايات يرويها كل من حكمه محاكم العراق خاصة محكمة الثورة سيئة الصيت حيث كان يساق إليها أبناء الشعب العراقي بالجملة يحاكمون ليس حسب فقرات من قوانين معمولة بها ومشرعة بل حسب نزوة عابرة لرجال يجلسون اليوم هم أنفسهم متهمين وكجناة وراء القضبان ليحاكموا على أفعالهم وسلوكهم الإجرامي تلك. هؤلاء كانوا يصدرون الأحكام التعسفية الجائرة بالجملة وكما يسمى بالبغدادي quot;كوترهquot; حيث كان القاضي العسكري او الحزبي يتلى قرار المحكمة وباسم الشعب العراقي المظلوم قائلا:
من الجمداني الاحمر الى الجمداني الأسود مؤبد والبقية تحال أوراقهم إلىسماحة مفتي ديار الشرعي ويتم تصفيتهم فور تلاوة القرار وحتى قبل تركهم حتى لقاعة المحكمة.
هذه الصورة الغير الحضارية التي قدمها لنا النظام السابق خلال تلك العقود وبات القانون كلمة يكتبها الحاكم عند الحاجة ونزوة عابرة قد يحتاجها المرء أحيانا لتجميل الصورة ليس إلا وبالا حرى لا لزوم لذلك فالقرار كان شخصيا ولا داعي للقانون قد تؤخر الإجراءات من التنفيذ السريع وقطع الأعناق ما دام رجال الحماية حاضرون وهم الاقربون وينفذون دون نقاش أو سؤال.
القاضي العراقي اليوم في العراق الجديد قلب كل تلك الموازين والصورة النمطية السائدة كي يوضح للناس بأننا على أعتاب بناء دولة الحق والقانون وان دولة العراق في المستقبل ستكون الحكم فيها للقانون وليس لأهواء البعض وقرارات اعتباطية تصدرها محاكم حزبية إن وجدت. عراق الجديد بنظام ديمقراطي تعددي يحترم أبناء الشعب ويعتبر الجميع سواسية أمام القانون والمتهم برئ حتى يتم إدانته حتى لو كان الشارع والرأي الشعبي العام قد أصدر حكمه النهائي به.
العراق الجديد لا يؤمن بالعنف ومبدأ quot;حيل بيهquot; اضربوه وأشبعوه ضربا مبرحا، بل يرى في الإنسان قيمة مقدسة يجب على القانون أن يكون بجانبه وليس ضده. وان المجرم قد يكون مظلوما إذا عرف السبب من مرض نفسي وعصبي وأمور أخرى كثيرة. لذا على المجتمع مراعاة ذلك وتقديم العلاج ألازم وربما اتخاذ تدابير وقائية قبل حصول الجريمة بحيث لا يبقى مبررا للمجرم أن يقترف جريمته من ناحية ومن ناحية أخرى يختفي تماما البيئة الملائمة لإجراء مراسيم تلك الجريمة. لذا نرى إن من الأهمية أن الدولة تقوم بمراعاة حتى إضاءة الأزقة والشوارع وتأخذ البلديات على عاتقها بتنظيف الأماكن التي قد تحجب الرؤية وتكون بؤرا مناسبا لأداء مراسيم الجريمة. هذا في الدول المتحضرة والمتقدمة والتي ترى بان الأمن والأمان حق طبيعي يحفظه القانون للمواطن ويؤمن سبل تطبيقها والمؤسسات ألازمة للتوصل الى تلك المجتمعات. إن العراق الجديد يمثله سيادة القاضي رزكار أمين بكل شفافيته وقدرته الإنسانية الرائعة في تحكيم العقل على العاطفة ورؤية المجرم بريئا مهما كان منصبه ومكانته هذا المبدأ القانوني أساس عادل لدولة ونظام الحكم في العراق الجديد في دولة الحق والعدل والقانون والقضاء المستقل. دولة الحق تحفظ للأبناءها قيمتهم الإنسانية ووجودهم البشري بعيدا عن مبادئ العنف والدمار والخراب والثائر والتعذيب وإصدار الأحكام العاطفية الاعتباطية دون أدلة وسند قانوني. كما علمنا الدين الإسلامي السمح في قوله تعالى quot; يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمينquot; الحجرات، الآية السادسة.
الدكتور توفيق آلتونجي
السويد
20060114
التعليقات