انهمر المطرْ

كانت الروح في سكرتها الأولى

تحث ّ ُ الخطى

للوداع الأخيرْ

اقتربَ القلبُ كثيرا ً

من حد الموتِ

وكان الصمتُ يحرث ُ

في فراغ المكان ِ

عمق المسافاتْ

انزلقت دمعة ٌ

إثر أخرى

غارت في المدى البعيدْ

ضجَّ المكان بالهمس ِ

وتوارت خلف

نبض القلبِ

دمعة ٌ حيرى

تنسجُ من مائها

شوقـا ً ورجوع ْ

كانت هناكَ

نجمة الفجر ِ

تفجّرُ في ذاكرة الـروح ِ

بركانا ً

من حنينْ

لم يعد في العشق ِ

متسع ٌ

من بريـقْ

وحدهُ القلبُ يزرع ُ

ومضة ً

في ذهول الـدمـوع ْ

الحديث عن الشيخ الراحل جابر الأحمد يقودنا رغما ً عن تقادم الأيام وتبدلات الأزمنة إلى الحديث عن الذاكرة الأعمق في وجداننا ذاكرة التحرير بكل تفاصيلها ومحتوياتها ولحظة تفوقها الأبدي على شرور الطغيان..

لا زلنا نتذكر نحن الكويتيون خطابه في المحفل الدولي والكويت كانت يومذاك ترزح تحت الاحتلال الصدامي حينها امتزجت دموعه بدموع أهل الكويت..

في ذلك الوقت القاتم من تاريخ وطننا كنا نراه رجلا ً يأتي من ذاكرة المستقبل وبقلبهِ تسكن قوافل العزم، كان يُطعم خبزا ً ويوزع روحا ً ويصنع مملكة ً تعج بالصلوات وبتراتيل الوطن..

كان معنا وكنا معه في ذلك الزمن الأغبر نواجه القلق ونتحدى الخوف ونتجاوز الزمن الرديء..

سافرَ في كل الوجوه وسكنَ قلوب الصغار والكبار وكنا نرى فيه وجها ً ينضح بالتحدي والجلد متفانيا ً في حلم الوطن الأبهى..

وجدناه في ذاكرة الاحتلال والتحرير رقيقا ً كرقة الوردة وصلبا ً كصلابة السيف ونقيا ً كنقاء المطر وصافيا ً كصفاء الروح وواضحا ً كوضوح الشمس..

كأننا اليوم حين رحيله أصبحنا نعرفه أكثر من ذي قبل وكأننا كنا نفتقد أشياء كثيرة ووجدناها اليوم وقت رحيله عنا..

به عرفنا أن الوطن عزيز وعزته في حريته واليوم حينما يرحل عنا فأنه يملك كل شيء يملكُ أرواحنا وقلوبنا ويواجهنا بأنفسنا ويملك الحق في أنه الذاكرة الأعمق في تاريخنا..

كنا في تلك الأيام الحالكة نشق نهرا ً بين الصخور وإذا بنا نراه بحرا ً يرفد أنهارنا الصغيرة بالعطاء المتدفق..

وكنا نتشبث ُ بالشمس وهيَ ترحل مجبرة ً في صباحات تلك الأيام الحزينة وإذا بجابر شمس يحيل ليلنا إلى نهار ونهارنا إلى قنديل يتوهج بالحلم والأمل والنصر..

وكنا نبحث ُ عن القمر في ليالي العتمة وإذا به قمر يسير بنا في مسارات العتمة إلى ذرى الوطن والضوء..

كان يكتبُ مستقبلا ً نراه اليوم يداعب الآمال في عيون أطفالنا..

وكان يرسمُ خارطة ً للوطن يضع عليها نقاط البداية وحدود اللانهاية..

كان يزرع ُ في الأرض الجدباء القاحلة بذور الورد وعبق الزهر فعشقنا معه المستحيل لنقهر به المستحيل..

كان يُطعم الروح خبز الأمل في زمن الموت وكان ينتزع الحياة من براثن الموت حضورا ً بهيا ً..

كان صدى صوته في تلك الأيام وفي ذاكرة القادم من الأيام يتردد في أسماعنا بالمقولة الشهيرة:

قدسوا الحرية لكي لا يحكمكم طغاة الأرض..

محمود كرم

كاتب كويتي

[email protected]