قضايا و محاكم و منع من مرور في قناة السويس و إشاعات إن مصر منعتها من عبور القناة لأنها ذاهبة إلى الخليج تهديدا لإيران، و آخرون قالوا إن الضغوطات على مصر سمحت لها بالعبور بعد زيارة نائب الرئيس تشيني و لم تتوان الفضائيات عن نشر خبر المنع ثم تكذيبه ثم أعاده بثه و دون الخوض في سر حاملة الطائرات quot;كليمنصوquot; و مهامها و مصيرها. فإلي أين كانت تتجه و لماذا منعت و لماذا كل الضجة حولها؟

البداية تأتي من قضية أمام المحاكم الفرنسية بتاريخ 11 أكتوبر 2005، عناوينها تفكيك حاملة الطائرات الفرنسية و العقد بين وزارة الدفاع الفرنسية و شركة خاصة هي SDI. و بعدها حكما أخرا بتاريخ 30 ديسمبر 2005 من المحكمة الإدارية الفرنسية يسمح بالاستمرارية في العقد.

و من هنا تتحرك الحاملة في طريقها إلى الهند بعد أن أزيل عنها مائة و خمس عشر طنا من مادة الاسبتس و مطلوب من الشركة الهندية أن تقوم بإزالة خمس و أربعون طنا أضافيا من الحاملة. المعروف أن quot;كليمنصوquot; تزن اثنان و عشرون الف طنا و دخلت إلى الخدمة في سلاح البحرية الفرنسي عام 1961 و أمضت ثلاثة ألاف و مائة و خمس و عشرون يوم عمل في البحار السبع كما و أطلقت سبعين ألف طلعة طيران.

و بعد أن مر علي خدمتها ست و ثلاثون عاما في البحر و المهمات العسكرية و الحروب قررت وزارة الدفاع أن تضعها في الاحتياط منذ عام 1998 و تحديدا في اليوم الثاني من الشهر الثالث، مارس.

وزارة الدفاع الفرنسية أقرت في 16 دسيمبر 2002 أن تخرجها من الخدمة و تم إعادة تسميتها و إطلاق الاسم Q790 عليها و تم تسليمها إلى الشركة الوطنية لأجل بيعها من خلال عروض و مناقصات و من ثم تفكيكها.

و قد تم التوقيع على قرار إزالة مادة الاسبستس بتاريخ 20 أكتوبر من العام 2004 بين فرنسا و الشركة المختصة بأعمال التفكيك و التي اشتركت مع الشركة الهندية المختصة بمثل تلك الأعمال البحرية لتفكيك السفن و البوارج وهي شركة شري رام للسفن مع مجموعة لوثرا. و قد تم الاتفاق على إتباع كافة الشروط الأوروبية و التعليمات التي تضمن سلامة البيئة و امن العاملين مع الاحتفاظ بالسرية الأمنية لحاملة الطائرات، و تم إرسال الحاملة إلى ميناء طولون العسكري.

و قد تم إجراء أعمال إزالة مواد الاسبستس اعتبارا من تاريخ 2 أكتوبر و إلى نهاية شهر سبتمبر من عام 2005، حيث كان الاتفاق أن تبحر السفينة إلى الهند لإزالة ما تبقى من اسبستس و بعدها خراطة السفينة و تفكيكها و ربما بيعها خردة أو إعادة تصميميها لتكون سفينة شحن ضخمة. المهم إنها لم تعد من ملكية البحرية الفرنسية حسب العقد المبرم.

و قد تم اختيار الشركة الهندية بعناية لأنها احد الشركات القليلة في العالم التي تتعامل مع تفكيك و خراطة السفن، و حرصت فرنسا على تدريب خمس من كبار المهندسين الهنود في فرنسا على طريقة التعامل الأمن مع حالمة الطائرات، خصوصا بعد أن أزيل منها كل المواد الهيدروكربوينة و تم تفريغ الخزانات الضخمة خلال عامي ثلاث اشهر في الفترة من أكتوبر 1997 و حتى نهاية شهر يناير 1998. و تم تعبئة الخزانات بعد التفريغ بالمياه النظيفة. و من المعروف أن التقنية العسكرية الفرنسية تستخدم مادة البوليكلورفينيل و البيرالين في المحولات، و لكنها المحولات الفرنسية كلها من المواد الناشفة و ليست السائلة، و بالتالي فلا خوف من مثل تلك المواد.

و كانت حاملة الطائرات محملة بألف و مائتين و ثمانية و ثلاثون لوح من المواد المشعة، و التي تم نزعها في البحرية الفرنسية قبل أن ينزع الاسبستس، و بالتالي حسب المعلومات العسكرية الفرنسية فأن السفينة أمنه و غير ملوثة للبيئة أو الحياة البحرية.

لقد تم اختيار الهند لعدم وجود مواقع تفكيك مخصصة للسفن البحرية المدنية و العسكرية. كما و أن إعادة تصنيع و تدوير المواد في الهند تنتج و تدر ربحا بأمكانه تعويض تكاليف نزع مادة الاسبستس و تفريغها من المواد المشعة و تحويلها إلى قطعة من الحديد.

و قد تم دفن مادة الاسبستس المنزوعة من حاملة الطائرات حسب المادة 96 و 97 من قانون فبراير 1997 المتعلق بهذا الشأن. و المخلفات وضعت في المدفن الخاص لمثل تلك المواد في بلجراد.

و اليوم تبحر السفينة و تقف في ميناء قناة السويس تنتظر من يفك شفرتها و يسمح لها بالدخول و العبور في طريقها إلى الهند لتدفن بسلام أو تتحول إلى سفينة مدنية أو ربما تباع قطعا من الحديد الخردة.

القضية ليست طائرات هليكوبتر يراد لها أن تقطع و ليست قضية ضرب إيران أو تهديدها و إنما قضية هندسية بحته بحاجة إلى مهندسين مختصين بالبحرية و البيئة ليعرفوا ما هو داخل الخمس و الأربعين طنا الباقية من مادة الاسبستس عليها. و يبقى السؤال، ماذا بعد مرورها في قناة السويس، و هي ستمر اليوم أو غدا، وعندما ينزع الاسبستس، أين سيدفن في الهند أم في الصحراء الغربية!!!

د.عبد الفتاح طوقان

[email protected]