في وسط التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي لطهران، تتحرك إدارة جورج بوش بثبات تجاه تبنّي استخدام وقائي لأسلحة نووية ضد الدول غير النووية كجزء لا يتجزأ من إستراتيجيتها العسكرية العالمية.

وبحسب وثيقة قامت بإعدادها هيئة الأركان المشتركة وتم إعلانها على الموقع الإلكتروني للبنتاجون، فإن واشنطن سوف تنتظر بالضرورة قيام أعداء محتملين باستخدام ما تسميه quot;أسلحة الدمار الشاملquot; قبل أن تلجأ إلى القيام بضربة نووية ضدهم.

والوثيقة، التي جاءت بعنوان quot;عقيدة العمليات النووية المشتركةquot;، متسقة تماما مع مراجعة العقيدة النووية التي قدمتها الإدارة في عام 2002، وهي المراجعة التي هوجمت على نطاق واسع من قِبل المنادين بالحد من التسلح بسبب تخفيض مستوى استخدام الولايات المتحدة للأسلحة النووية.

حيث يرون ان ان هناك خطورة فى رؤية الادارة الامريكية استخدام الأسلحة النووية ضد القوى غير النووية ضربات أولية وقائيةquot;.

ويرون أن العقيدة تعارض الادعاء الذي طالما أكدته الإدارة أنها تقوم بتخفيض دور الأسلحة النووية بدرجة كبيرة في إستراتيجيتها العسكرية العالمية.

وان العقيدة الجديدة تعيد التأكيد على وضعية نووية هجومية لأسلحة نووية حديثة موضوعة في حالة التأهب القصوى و النتيجة هي الضربة النووية الوقائية والتي تحميها العقيدة الجديدة لأول مرة في شكل عقيدة أمريكية رسمية نووية مشتركة، حيث لم يعد الهدف هو الردع من خلال التهديد بالانتقام ولكنه تدمير للأهداف في ساحة القتالquot;. والعقيدة هي الأخيرة في سلسلة من الوثائق التي تبنتها الإدارة، والتي حركت الولايات المتحدة بعيدا عن وجهة النظر التقليدية القائلة بأن الأسلحة النووية ينبغي أن يتم استخدامها فقط في أغراض الدفاع والردع. ومع مراجعة العقيدة النووية، والذي دعا إلى تطوير برامج تسليم جديدة للأسلحة النووية وأشار إلى أن الصين وكوريا الشمالية والعراق قبل الغزو وإيران وسوريا وليبيا قبل التخلى عن اية برامج نووية يمكن أن يكونوا أهدافا، فإن بوش نفسه قد شرح وجهة النظر الجديدة في وثيقته في سبتمبر 2002 الخاصة بإستراتيجية الأمن القومي؛ حين حذر في ذلك الوقت قائلا: quot;لا يمكننا أن نترك أعداءنا يضربون أولاquot;.

وبحسب محللين امريكيين في شئون الأمن القومي، فقد وافق رامسفيلد في منتصف 2004 على quot;أمر مؤقت بالتأهب لضربة عالميةquot; سري للغاية، والذي أمر القوات المسلحة أن تكون مستعدة لمهاجمة أعداء محتملين، وبشكل خاص إيران وكوريا الشمالية، اللتين تقومان بتطوير أسلحة الدمار الشامل.

وبحسب تعليمات رئاسية سرية في يناير 2003، فإن quot;الضربة العالميةquot; تُعرّف بأنها إدخال الضربات النووية، وكذلك التقليدية، quot;لدعم الأهداف القومية والأهداف في مسرح الأحداثquot;.

والوثيقة الجديدة هي الأولى التي توضح احتمالات عديدة يمكن أن يجري فيها استخدام ضربة نووية وقائية، ومن بينها:

إذا اعتزم أحد الأعداء استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد قوات الولايات المتحدة العالمية أو المتحالفة معها، أو ضد سكان مدنيين.

وفي حالات الهجوم الوشيك من قِبل أسلحة بيولوجية للأعداء والتي يمكن فقط لتأثيرات الأسلحة النووية أن تدمرها بأمان.

وضد القواعد العسكرية للأعداء التي تحتوي على أسلحة الدمار الشامل، أو ضد المخابئ المحصنة المقامة تحت الأرض، والتي تحتوي أسلحة كيميائية أو بيولوجية، أو ضد البنية التحتية لأنظمة القيادة والتحكم، والتي يحتاجه العدو للقيام بالهجوم باستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الولايات المتحدة أو أصدقائها أو حلفائها.

وكذلك في حالات إثبات أن نية الولايات المتحدة وقدرتها على استخدام الأسلحة النووية سوف يردع قيام العدو باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

وهذه العقيدة السابقة والتي أُعلن عنها وقت إدارة الرئيس كلينتون في 1995 لم تذكر الاستخدام الوقائي للأسلحة النووية ضد أي هدف، ناهيك عن وصف السيناريوهات التي سوف يتم فيها دراسة هذا الاستخدام.

العقيدة الجديدة بالإضافة إلى هذا لا تُظهر الفرق الذي كان موجودا في أثناء الحرب الباردة بين الأسلحة النووية الإستراتيجية والأسلحة النووية في مسرح الأحداث من خلال quot;تكليف كل الأسلحة النووية، سواء كانت إستراتيجية أو غير إستراتيجية، بأدوار دعم في مسرح العمليات النوويةquot;.

كما ان هناك ثمة جانبا مزعجا آخر في العقيدة الأخيرة وهو خلطها بين الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية باعتبارها تهديدا واحدا من quot;أسلحة الدمار الشاملquot; يمكن أن يبرر ضربة نووية أمريكية، وخاصة مع الأخذ في الاعتبار التفاوت الكبير في التأثير القاتل والتدميري بين الأسلحة الكيميائية من جانب والأسلحة النووية من جانب آخر.

إن ما نراه الآن هو محاولة لإرساء أسس لشرعية استخدام الأسلحة النووية إذا ظنت الإدارة أن دولة أخرى ربما تستخدم الأسلحة الكيميائية ضدنالولايات المتحدة. والعراق اثناء الحرب عام 2003 كان مثال جيد للطريقة التي يمكن أن تعمل من خلالها هذه العقيدة؛ فقد كانت دولة اشتبكت معها عسكريا واعتقدت امريكا أنها يمكن أن تقوم بنشر أسلحة كيميائية ضدها.

ويخشى المنتقدون أيضا من أن اللجوء إلى الأسلحة الكيميائية ربما أصبح جذابا للإدارة بطريقة متزايدة في الوقت الذي غرق فيه الجيش والبحرية في مستنقع العراق، وإلى حد أقل في أفغانستان.

ان التعليمات الأخيرة التي تلقاها القادة المكلفون بالتخطيط للاحتمالات، مع اعترافهم بأن القوات الأمريكية الأرضية تتحمل فوق طاقتها، يقولون إنه يجب أن يكون هناك قدرة على تنفيذ ضربة عالمية quot;دون اللجوء إلى أعداد كبيرة من القوات ذات المهام العامةquot;.

وربما تكون الإستراتيجية الجديدة مرتبطة أيضا بالموقف في إيران، والمعروف امتلاكها لأسلحة كيميائية، لكن واشنطن تصر على أن برنامج إيران النووي يجري استخدامه لإنتاج أسلحة نووية أيضا.

وبحسب تقارير امريكية فأن مكتب ديك تشيني نائب الرئيس قد أوكل إلى القيادة الإستراتيجية الأمريكية تشكيل خطة ممكنة لـquot;هجوم جوي واسع المجال على إيران، ونشر الأسلحة التقليدية والنووية التكتيكيةquot; في حالة حدوث هجوم آخر على غرار هجوم الحادي عشر من سبتمبر.

وفي الحقيقة أنه من المشكوك فيه حتى أن تستطيع الأسلحة النووية الأمريكية الوصول إلى الأهداف المحمية تحت الأرض؛ ولهذا السبب ظل البنتاجون لعدة سنوات يلح من أجل الحصول تمويل أبحاث لتطوير ما يسمى قنبلة نووية قوية خارقة للأرض.


ان منتقدي الإدارة يحذّرون في الوقت نفسه من أنه بدلا من ردع الأعداء المحتملين من السعي للحصول على الأسلحة النووية فإنه من المؤكد أن العقيدة الجديدة سيكون لها تقريبا تأثير عكسي.

فقد أشار بعض المحللين الامريكيين الى ان الادارة تجعل الأمر يبدو كما لو كانت الأسلحة النووية ضرورية للأمن الامريكى ؛ ولهذا فإن ذلك يعزز وبشكل هائل شعار الأسلحة النووية بالنسبة للآخرين.


عبد العظيم محمود حنفى
الخبير فى الدراسات الاستراتيجية ومدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات القاهرة