سباق مع الزمن..
إلى مؤتمر المحامين العرب المزمع عقده في دمشق نشكركم ونشكر أمريكا :

[كان نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية آدم ايريلي أكد لفضائية الحرة الأميركية بأن تشيني حمل إلى السعودية ومصر رسالة واضحة مفادها أن دمشق لا يمكنها التهرب من دفع ثمن مسؤوليتها عن إغتيال الحريري وقال ان نائب الرئيس ديك تشيني نقل الى المسؤولين في مصر والسعودية جدية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في المضي في محاسبة المسؤولين عن جريمة اغتيال الحريري من الرئيس الاسد الى اسفل الهرم.] إن هذه التصريحات التي ليست مفاجئة قد قطعت الطريق على السيد الرئيس حسني مبارك ومبادرته التي على ما يبدو أنها قد واجهت جملة من المعترضين، والآن جاء دور الولايات المتحدة الأمريكية لتضع النقاط على الحروف في استحالة قيام صفقة بينها وبين النظام السوري، وإطلاق سراح بعضا من معتقلي ربيع دمشق جاءت لتؤكد أن الصفقة مستحيلة !! كما كتبنا في مقال سابق، ودوما تعلمنا من أيام الرئيس الراحل أن ملف المعتقلون هو ملفا يفتح في لحظات الضغط على السلطة وبالقطارة يتم التعاطي معه وحسب درجة الضغط واحتياجات السلطة وليس ضمن أجندة غايتها طي الملف نهائيا وإلى الأبد من تاريخ سوريا ـ الأسود ـ على هذا الصعيد، وليس هي من باب الصدفة أن يتم إطلاق السراح المجتزئ هذا في أجواء زيارة تشيني للمنطقة. ووضوح التصعيد الأمريكي وعدم السماح بصفقة تكون دفعة لتجديد دم السلطة في سوريا. والتهديد بإعادة الملف السوري إلى مجلس الأمن. بات من الواضح أن الرؤية و المصالح الأمريكية في المنطقة لا تتقاطع مع استمرارية هذا الشكل السياسي من الحكم القائم الآن في سوريا. الضغط الأمريكي والذي استمر على مرحلتين : الأولى منذ عام 1990 أي بعد سقوط السوفييت ويمكن تسميتها بمرحلة احتواء تدريجي للنظام السوري والتي بدأت مع دخول الأسد حرب تحرير الكويت والذي قبض ثمنها مليارات الدولارات من الدول الخليجية، ومع التهيئة لمؤتمر مدريد للسلام، كما بدأ بحملة شهيرة لأطلاق سراح عشرات الألآف من المعتقلين اعتقالا تعسفيا ومزمنا منذ السبعينيات والثمانينيات..الخ
وما يهمنا هنا هو قضية المعتقلين واللعب بحياتهم وفق أجندة باتت باهتة ولم تعد تنطلي على أحد :
الأفراج عن المعتقلين ماكان ليتم منذ 1990 وحتى إطلاق بعضا من معتقلي ربيع دمشق لولا الضغط الأمريكي. وبهذا نشكر أمريكا ونعزي أنفسنا بسلطتنا التي ما فتئت مستمرة في الارتجال حتى هذه اللحظة الحرجة من تاريخ سوريا : ماذا يعني أن تبقي إستاذي الدكتور عارف دليلة ؟ وماذا يعني أن تبقي الدكتور كمال اللبواني في السجن مع مئات من معتقلين سياسيين عربا وأكرادا.الخ ؟ هل هذا تكتيك سياسي أم هو خراب أخلاقي لازال متأصلا في عصب هذه السلطة ؟ وهل استثناء عارف دليلة لأنه بات من العمر بحيث يمكن أن يتعرض للموت لاسامح الله في سجنه ؟ أم لأنه ينتمي للطائفة العلوية ؟ تماما كما عودنا الأب الراحل بأنه يخاف الأصوات المعارضة من أبناء شعبنا داخل الطائفة أكثر مما يخاف من البقية ؟ ثم كمال اللبواني الذي أصبح مدار تواطؤ بين بعض المعارضين والسلطة !! لأنه زار أمريكا في وضح النهارودافع عن إعلان دمشق في وضح النهار أيضا ؟ أم لأن الزعامات المعارضة تخاف أن يسرق اللبواني منها بريقها ؟
وماذا بشأن معتقلي الحركة السياسية الكردية ؟ على بقية صنوف المعارضة أن تجعل من قضيتهم حاضرة دوما وليس معتقلي ربيع دمشق هم إنسانيا أهم من أي معتقل كردي أو إسلامي أو اللبواني..؟ أيضا موقف قوى المعارضة أو قسما منها والضغط الأمريكي الذي هو الأس في أي انفتاح تجريه هذه السلطة : يجعلنا فعلا نعزي أنفسنا ؟ وهل تستطيع المعارضة التي تواطأت على كمال اللبواني ومعتقلي الأكراد ـ كما أن الحركة السياسية الكردية لم تدافع جيدا عن المعتقلين العرب السورين من تحت الدلف لتحت المزراب حياكم الله ـ أن تملأ الفراغ الذي يتركه النظام السوري في المستوى السياسي السوري ؟ هل تستطيع الهيمنة عبر قيادات بديلة أو مؤسسات للمعارضة على ما يتركه الضغط الأمريكي والأوروبي على النظام من خلخلة في المستوى العام : سياسيا وثقافيا واجتماعيا..الخ ؟ وشكر أمريكا كفرا في هذه البنى المعارضة ومع ذلك لا بد من ذلك.. لأن في شكر أمريكا ننعي أنفسنا كمعارضة لاتعرف حتى هذه اللحظة كيف تربط قياداتها ولو بتصريح واحد فوق الطاولة !!!
كله بالهواء سواء معارضو الداخل والخارج، معارضة باريس وواشنطن معارضة الأردن ولندن..الخ
والتهمة جاهزة ياسيدي : إنك أمريكي... أنا لا أستطيع القول أنني أمريكي..لكنني أستطيع شكر أمريكا إذا أراحتنا من كوابيسنا في السلطة والمعارضة... بالضغط المستمر ودون اللجوء للعسكر.. وأمريكا مع المجتمع الدولي رغم هزال المعارضة وتفتتها قادرة على ذلك.. فالشعب بات قسما منه مع بشار الأسد.. وهو السؤال الأهم أتحدث عن الشعب وليس عن المستفيدين من أهل السلطة.. بماذا تجيب المعارضة السورية كردا وعربا وما يتفرع عن أرض سوريا التاريخية.!!

غسان المفلح